ورفعت عينيها إلى السماء وعلى شفتيها نجوى خافتة، وفي قلبها أمل.
وقامت تودعه إلى الباب، وأعطته ما طلب، لم تحرمه من شيء في نفسه، وانثنت إلى غرفتها لتضع الصندوق الفارغ في موضعه من الصوان.
ومضى الفتى على وجهه لا يبالي ما خلف وراء ظهره ... من ذا الذي يرى هذا الفتى المتأنق الجواد فيعرف من يكون؟
إنه هو نفسه لا يعرف ... وأمه حيث تركها، تعيش في دنياها بين صباح ومساء، ويقظة ونوم، وأمنية بالنهار تتراءى حلما بالليل، وعجلة الزمن تدور فتطوي الحياة وتختزل العمر، وهي لا تدري. هذه هي دنياها. ولكن لها يوما تترقب مطلعه على شوق ولهفة، ولكن متى ...؟ أترى هذا اليوم حين يجيء يرد عليها الشباب المدبر والعمر الذي ضاع؟! •••
وانقضت بضعة أشهر، وحان اليوم الذي كانت تنتظر، وكانت راقدة في فراشها تحلم، حين دخل إليها زوج ابنتها ليزف إليها البشرى ... بنجاح ولدها ...
وجلست في فراشها وأشرق وجهها بابتسامة راضية، وقبلت البشير قبلة، ثم مال رأسها على الوسادة ... وكانت تبتسم ...
وهتفت في صوت خافت: الآن أديت واجبي! وعادت الابتسامة إلى شفتيها أكثر إشراقا وفتنة.
ودارت بعينيها في أرجاء الغرفة حتى استقرت على صورة فتاها في إطارها، ثم أطبقت أجفانها.
وتراقصت أشعة المصباح الذابل في الغرفة الخالية من الأثاث إلا من سرير محطم عليه جسد محطم.
وهبت نسمة عابرة فأطفأت المصباح وعم الظلام. وخرج الرجل ناكس الرأس يتعثر في خطاه ليلقي إلى زوجته النبأ الفاجع ...
Página desconocida