ثم عاد الكاهن يقرأ: ... ولكن يد دقيانوس لم تنل ميشلينيا وصحبه، فقد استطاعوا الفرار من بطش الملك الجبار إلى مكان لا يعلمه أحد ... كانوا ثلاثة رابعهم كلبهم، ويقولون خمسة ...
وشاع السرور في نفس صهيون حين بلغ هذا الموضع من قصة أهل الكهف، وتمتم صلاة خافتة يشكر الله، ولكنه استمر يقرأ:
وبلغ دقيانوس نبأ فرار ميشلينيا وصحبه فغلى غليانه، وسمى جائزة - مائة ألف درهم - لمن يأتيه بميشلينيا حيا ...
وبلع صهيون ريقه وأفلت الكتاب من يده. مائة ألف درهم! يا لها من ثروة! ليته كان في عهد دقيانوس ، إذن لفعل كل ما يقدر عليه ليظفر بالجائزة ...! ما الوثنية؟ ما اليهودية؟ ما المسيحية؟ ما كل أولئك بإزاء مائة ألف درهم ...؟ الله؟ المسيح؟ دقيانوس؟ ميشلينيا؟ ماذا يعنيه من كل هؤلاء لو كان يملك مائة ألف درهم ...؟
وسبح صهيون في أحلامه وهو يقبض أصابعه ويبسطها، يحسب ما يمكن أن تغل عليه مائة ألف درهم، لو ... لو أنه كان في عهد دقيانوس!
وسمع في الشارع زياطا وضجة، فأطل من النافذة ينظر ... ثم لم يلبث أن هبط مسرعا إلى الشارع ليرى ويسمع ...
يا لله! ما أسرع ما وقعت المعجزة ...!
ولم يصدق أذنيه أول ما سمع ... وعاد يسأل عن سر هذا الزحام والضوضاء، وأجابه محدثه: «يا مولاي، إنهم ثلاثة رابعهم كلبهم، ويقولون خمسة ... لقد عثر بهم رجل في كهف على حدود الصحراء ... إنهم الفتية المؤمنون الذين يتحدث التاريخ أنهم ... منذ ثلاثمائة سنة ...»
ولم يصبر صهيون حتى يستمع إلى بقية النبأ، لقد كان يعرف ما سيقول محدثه قبل أن ينطق. إنهم آية البعث لمن لا يؤمن. لقد ضرب الله على آذانهم في الكهف سنين عددا، ثم بعثهم آية ... ولكن ماذا يعني صهيون من ذلك ...؟ لقد كان الأمر يعنيه لو أن الله الذي بعث أهل الكهف قد بعث معهم دقيانوس؛ ليسعى إليه في طلب الجائزة التي سماها منذ ثلاثمائة سنة لمن يأتيه بميشلينيا حيا؛ فها هو ذا ميشلينيا، ولكن أين هو دقيانوس؟
وبرقت له بارقة؛ وماذا يمنعه أن يطلب الجائزة اليوم من ملك طرسوس؟ لقد مات دقيانوس، ولكن حقه في الجائزة لا يضيعه موت دقيانوس؛ ومن قال إن الملوك الذين خلفوا دقيانوس قد أبطلوا الجائزة التي سماها دقيانوس لمن يدل على ميشلينيا حيا؟ إنها ما تزال حقا شرعيا لمن يسبق إلى إبلاغ النبأ، لا يبطله أن دقيانوس قد مات ومضى على موته قرون!
Página desconocida