Desde la conversación del alma

Cali Tantawi d. 1420 AH
58

Desde la conversación del alma

من حديث النفس

Editorial

دار المنارة للنشر والتوزيع

Número de edición

الثامنة

Año de publicación

١٤٣٢ هـ - ٢٠١١ م

Ubicación del editor

جدة - المملكة العربية السعودية

Géneros

وذكرت تلك الأعوام الستة عشر التي أنفقتها في تحصيلها، وكان خيرًا لي أن أقضيها في حانوت حلاق أجيرًا أتمتع بالجمال والمال، أو ممثلًا في جوقة أعيش عيش النعيم والتعظيم، أو عاملًا في مطبعة يدور عليّ الزمان فإذا أنا «صاحب جريدة كبرى» ... أو لو قضيتها في تلاوة الروايات والأقاصيص أنال منها لذة ومتعة (إذا لم أنَلْ فائدة ونفعًا). وتأملت فيها معظِّمًا مبجِّلًا، وتجرأت فلمستها (أي الشهادة) بيدي في ابتسامة بلهاء، كما يلمس الإنسان تحفة ثمينة ليزيد إحساسه بها، أو أثرًا مقدسًا ليتبرك به (١). وجلست بعد ذلك أفكر: ماذا أصنع بها بعد أن زالت من نفسي رغبة النجاح ونشوة الظفر؟ وأغلقت الأبواب، وأطفأت الأنوار، وأشعلت البخور ... وتلوت أسماء الجن واستصرخت الملك الأحمر والأخضر، ثم أحرقت الشهادة فخرج من لهيبها مارد طويل وقام أمامي في خضوع. فقلت له: ما اسمك أيها المارد؟ - ليسانس يا سيدي. - ماذا تقدر أن تصنع؟ - كل شيء يا سيدي؛ أزحزح لك أصحاب الكراسي الجهال عن كراسيهم لتجلس يا صاحب الليسانس عليها. - أتثق من قدرتك على ذلك؟

(١) ليس في الأشياء ما هو مقدس في نظر المسلم يتبرك به للنفع أو للضرر، حتى الحجر الأسود لا يضر ولا ينفع، وإنما يُقبَّل اتباعًا وتعبدًا.

1 / 62