ثم صَغُرت هذه الكواكب في نظري لمّا رأيت شيئًا أعظم منها، صغرت لما رأيت السماء «سقفًا مرفوعًا» حتى غدت كلها «مصابيح تزين السماء الدنيا»، ورأيت السماوات تطيف بها كلها، تحيط بهذا الفضاء «سبعًا طباقًا»، ورأيت الجنة من وراء ذلك «عرضها السماوات والأرض»، ورأيت العرش والكرسي وتلك الكائنات العظيمة، فأحسست أن عقلي ينهدم وينحطم حين يحاول التفكير فيها وهي مخلوقة، فكيف به حين يحاول التفكير في الخالق؟
وذهبت أقابل بين هذه العظمة الهائلة التي لا يدنو من تصورها العقل، وتلك الدقة الهائلة: دقة الجراثيم التي يمر الألف منها من ثقب إبرة، دقة الكهارب (١) التي يكون منها في الذرة الواحدة مئات من الكواكب الصغيرة، يدور بعضها على بعض كما تدور كواكب المجموعة الشمسية ... ذهبت أقابل بين هذا وذاك فعجزت، وأنكرت نفسي وجحدتها، وامتلأتُ إيمانًا بالخالق الأعظم، فصحت من أعماق قلبي: لا إله إلا الله.
* * *
أنكرت نفسي، ولم أعد أراها شيئًا. ونسيت يدي ورجلي، حتى لقد حسبتهما جزءًا من الكرسي أو السرير الذي أجلس عليه، وأضعت ميولي كلها وشهواتي، حتى لم يبقَ لي «أنا» وإنما صرت أنا الكون كله (٢)، الكون الذي ردد معي قولي: «لا إله إلا الله»،
_________
(١) أي الإلكترونات (مجاهد).
(٢) أي الكون المخلوق لا الخالق، وأعوذ بالله من أن أقول بـ «وحدة الوجود» التي قال بها أقوام فضلّوا وأضلّوا.
1 / 25