تنبت الأفكار في نفسي وتزهر وتثمر، ثم تذوي وتجف فآخذ الهشيم فأضعه في مقالتي! ويتفجر الينبوع في نفسي ويتدفق ويسيل، ثم ينضب وينقطع فآخذ الوحل فأضعه في مقالتي! وينبثق الفجر في نفسي ويقوى ويشتدّ، ويكون الضحى والزوال، ثم يعود الليل، فآخذ قبضة من ظلام الليل لأكتب منها مقالة عنوانها: «ضياء الفجر»!
من أجل ذلك أكره أن أنظر في كل ما كتبت وأستحي أن أعود إليه، وأحب كل جديد لم يُنشَر، وأرى أن الذي يمدحني بمقالاتي يحقرني لأنه لا يعلم أنها درهم من خزائن نفسي المفعمة بالذهب، فهو يقول لي: إن الدرهم كبير منك لأنك فقير. ولكن الذي ينقد مقالاتي ويتنقّصها يقول لي: إنك غني فالدرهم قليل منك، إن هذه المقالة حقيرة لأنك أنت عظيم.
لقد تعلمت هذه المسألة من عهد قريب فصرت أحب النقد، وكنت أجهلها من قبل فأميل إلى الثناء والتقريظ.
* * *
لبثت أعرض هذه المواكب من الأفكار حتى تعبت ومللت، فألقيتها كلها في الصحراء وجلست أفكر في الصحراء وحدها.
نظرت إليها وهي متمددة على سرير الجزيرة الواسعة، نائمة، فامتلأت إكبارًا لها وإعظامًا. ثم فكرت أن لو فتحت الصحراء عينها، أكانت تبصرني وتحس بوجودي؟ أأشعر أنا بوجود رملة حملتها الريح فطارت بها، فمست وجهي وهي طائرة ثم مضت
1 / 23