246

De la Doctrina a la Revolución (2): La Unidad

من العقيدة إلى الثورة (٢): التوحيد

Géneros

وقد تظهر القدرة عرضا مع القوة دون أن تكون مع الثلاثي بل يكتفي بالعلم والحياة. وقد تظهر أيضا بعد بعض صفات الرباعي مثل السمع والبصر مع صفات التشبيه وبعض صفات الأفعال مثل العزة والرحمة والأمر والنفس والذات والقوة والقدرة والأصابع. وقد تدخل أيضا مع صفات الانفعال المتعلقة بالإرادة مثل السخط والرضا والعدل والصدق والملك والخلق والجود والإرادة والسخاء والكرم، وبهذا المعنى تتسع صفة القدرة وتشمل كل شيء، بل وتتصدر العلم.

87

والقدرة صفة قديمة قائمة بذاتها، توجد بها الحوادث وبعدمها يستحيل ضدها وهو العجز. فهي إذن سبب الإيجاد وغيابها عجز يوجب العدم. أو هي صفة يتمكن بها الفاعل من الفعل والترك، أي وقوع الفعل عند توافر الدواعي، والإيجاب بالنسبة إلى ذات الفعل لا يمكنه من الترك. فالقدرة هنا أقرب إلى القدرة الإنسانية والبواعث والاختيار بين الفعل والترك توحي بالجبر والحتمية على الفعل حين توافر الدواعي. تعني القدرة إذن حصول التأثير من الله على سبيل القصد والصحة لا على سبيل الوجود، وكأن فعل الله نموذج الفعل الموجب القائم على البواعث والموجه بالقصد. ولكنها أصبحت عند المتأخرين القدرة على الخلق على الإيجاد وعلى الإعدام. فهي صفة تؤثر في الممكن الوجود أو العدم تتعلق بالمعدوم فتوجده كتعلقها بالموجود قبل وجوده، وتتعلق بالموجود فتعدمه. هذا التعلق «تنجيزي»، تعلق حادث، وله تعلق «صلوحي» قديم أي صلاحيتها في الأزل. القدرة صفة الإيجاد والإعدام لأن فعل العالم المريد فيما علم وأراد إنما يكون بسلطة له على الفعل ولا معنى للقدرة إلا هذا السلطان.

88

والقدرة أول ما يعرف استدلالا من الصفات، فهو المحدث للعالم. فقد ثبت أنه صح منه تعالى وبالتالي يكون قادرا. والدليل على أنه عالم حي قادر إما الاضطرار أي البداهة أو الاستدلال. والحقيقة أن الدليل يجمع بين الاثنين، إذ لا يجوز أن تظهر الصنائع إلا من قادر حي، وهو دليل الاختراع الشهير الذي سيتحدث عنه الحكماء فيما بعد. أو هو دليل الإتقان والصنعة وهو دليل إثبات العلم. الدليل على كونه قادرا وجود المقدورات عن أول واتصافها بالجواز. فالإيجاد والاختراع لا يصحان من كل موجود، بل اختصاص تصور الاختراع ببعض الموجودات. وبالسبر يعرف أن الاختراع يشترط الحياة والعلم، ويمكن الاعتماد على قياس الغائب على الشاهد لإثبات ذلك. وقد يفصل الدليل ويركب على دليل الحدوث فتثبت القدرة بعد إثبات الحدوث . إذ يدل جواز الحادثات على كون بارئها قادرا. فالحدوث مقدمة لإثبات القدرة كصفة للذات كما كان مقدمة إثبات القدم كوصف لها. يعني الحدوث قابلية التأثير والفاعلية والترجيح. ويتم ذلك عن طريق الاختيار وليس عن طريق الوجوب بالذات كما هو الحال عند الحكماء في نظرية الفيض. ويبطل المتكلمون الوجوب بالذات دون القدرة لأنه يلزم من ذلك قدم العالم أو حدوث الله، وكلاهما باطل، أو استواء الأجسام في الماهية وبالتالي استواؤها في الصفات، والله ليس بجسم والعالم إحساس أو لوجب معلوما واحدا أو معلومات كثيرة، والأول باطل لعدم صدور الكثير عن الواحد أو يلزم عنه تغيرات لا يمكن أن تصدر عن الواجب بذاته. لو كان الله واجبا بذاته لا قادرا على ما يقول الحكماء للزم إما قدم العالم أو حدوث حوادث لا أول لها أو متعاقبة وكلاهما محال.

وفي صيغة أخرى إن لم يكن قادرا لزم إما نفي الحادث أو عدم استناده إلى المؤثر أو التسلسل إلى ما لا نهاية أو تخلف الأثر عن المؤثر والكل باطل، وبطلان اللوازم دليل على بطلان الملزوم. ويقوم الدليل على أصلين: حدوث ما سوى الله وأنه لا تجري به حوادث لا نهاية لها، وأن الحادث لا يستند إلى حادث مسبوق إلى ما لا نهاية. يرفض الأشاعرة إذن استناد القدرة إلى الذات أو بالإيجاب، فكلاهما باطل، ومع ذلك فهو قادر بقدرة قديمة أزلية قائمة بذات الرب متحدة لا كثرة فيها متعلقة بجميع المقدورات غير المتناهية بالنسبة إلى ذاتها أو متعلقاتها، وهي غير الإيجاد على نحو ما في التخصيص بالإرادة.

89

والتأثير في العالم - عند متكلمي الأشاعرة - ليس عن طريق الطبع أو العلة، كما هو الحال عند الحكماء والطبائعيين من المعتزلة، بل بالتأثير والاختيار. فلو كان بالطبع والإيجاب للزم قدم العالم أو حدوث الباري. ولما كانت العلة لا تتغير لزم أن يكون المعلوم كذلك، وبالتالي يتغير الباري. كما يلزم من عدم المعلول عدم العلة. ومع ذلك فهناك اعتراضات عدة على القدرة بالتأثير والاختيار. فالمؤثر في العالم إن استجمع الشرائط وجب الأثر وإلا كان فعله ترجيحا بلا مرجح. كما أن اقتدار القادر نسبة يتوقف على تمييز المقدور في نفسه وبالتالي يلزم الدور. والمقدور لا يخلو من وجود أو عدم والحاصل واجب وبالتالي ينتفي الممكن. كما أن الترك نفي عرض وعدم، وبالتالي لا يكون مقدورا. والواحد لا يصدر عنه إلا الواحد، والكثير إنما صدر بالوسائط عن الواحد على ما يقول الحكماء الكواكب هي المدبرات أمر الدوران والحوادث السفلية مع مواضعها في البروج وأوضاعها بعضها إلى البعض. وما علم أنه يكون واجبا، وما علم أنه لا يكون ممتنعا، والواجب والممتنع غير مقدور، والقدرة لا تكون إلا للممكن. كما أن القدرة تتعلق بأحد الضدين إما لذاتها فيستغني الممكن عن المرجح فيسد باب إثبات الصانع ويلزم قدم الأثر، وإما لذاتها فلا يحتاج إلى مرجح، وبالتالي تنتفي القدرة.

90

وبعد موضوع إثبات القدرة بالقصد والاختيار أو نفيها بالطبع والوجوب تعرض مسألة شمول القدرة وحدودها. فالقدرة شاملة ومطلقة مثل العلم. الله قادر على جميع الممكنات. ودليل إثبات القدرة هو نفسه دليل إثبات شمولها وإطلاقها. فالمصحح للمقدورية الجواز، وبدونه لا يبقى إلا الوجوب والامتناع، وهما يمنعان من المقدورية. والجواز مفهوم واحد بين جميع الجائزات، لذلك كانت القدرة شاملة لها كلها. ولو لم يكن الله قادرا على جميع الممكنات لوجد سبب آخر وهو محال من وجهين، لأن قدرة الله أقوى، فهو الأولى بالتأثير وبسبب دلالة التمانع واستحالة اجتماع مؤثرين.

Página desconocida