De la creencia a la revolución (4): La Profecía - El Más Allá
من العقيدة إلى الثورة (٤): النبوة – المعاد
Géneros
4
أما فيما يتعلق بالرسل فقد بان أن موضوع النبوة ليس هو تشخيص الرسول، بل رسالته؛ وبالتالي فالرسل ليست موضوعا للإيمان. الرسل مجرد وسائل النبوة للإسلام والإخبار والتبليغ وليست موضوعها، ويمكن الاستغناء عنها بالوحي المباشر، كما أن كل النبوات بها أنبياء ورسل، وليس الرسول خاصا بآخر مرحلة من مراحل الوحي. وكيف يتم التمييز بين الأنبياء والرسل الصادقين منهم والكذبة؟ وإثبات الرسول بالمعجزة مجرد إثبات خارجي، وإثباته بالإعجاز يحيلنا إلى الكتاب وليس إلى الرسول، وجعل النبوة رسالة وليس شخصا.
5 (ب) هل الملائكة موضوع للنبوة؟
بقي إذن موضوع الملائكة، وقد ظهر من قبل في المقدمات النظرية الأولى في نظرية الوجود في مبحث الجوهر إجابة على سؤال: هل هناك جواهر مفارقة؟ وكان منها طبقا للحكماء أربعة: الله والنفس والعقل والملاك. فالملاك عند الحكماء صورة مفارقة؛ أي موجودات مجردة نظرا لإمكانية وجود صور بلا مادة، كما ظهر الموضوع من قبل في النبوة، في التفضيل؛ تفضيل الملائكة على الأنبياء أو الأنبياء على الملائكة، ثم يظهر الموضوع هذه المرة كأحد قواعد العقائد.
6
والحقيقة أنه لا يظهر إلا في العقائد المتأخرة، بل حتى في الشروح على المتون المتأخرة، ولم تظهر في العقائد الأولى إلا كموضوع وافد من علوم الحكمة، وقد استقاه الشراح المتأخرون من القصص الشعبي وكتب السير والأحاديث الموضوعة؛ لجذب انتباه العامة وتحريك خيالهم؛ حتى ينعموا بهذه العوالم العلوية تعويضا عن مآسيهم السفلية، وحتى ينشغلوا بالآخرة عن دنياهم، وينصرهم المدعم بالملائكة عن هزائمهم، وتحديد المسئولية عنها. والعجيب في الأمر هو الدخول في كل هذه التفصيلات؛ في ماهية الملائكة وأنواعها ووظائفها ومقاماتها، وكأنها موضوعات حسية يمكن إدراكها بالحس، أو عقلية يمكن معرفتها بالعقل، أو نقلية متواترة، أو بها صلاح الناس وقضاء أمور العباد! بل إن كثيرا من الحركات الإصلاحية الحديثة لم تسلم منها.
7
فما هي الملائكة؟ هي أجسام لطيفة نورانية قادرة على التشكل، ولا يراها أحد في أي من صورها، ومثال ذلك في الطبيعة الهواء الأثير الذي يأخذ أشكالا عديدة ولا يراه أحد. والحقيقة أن الضغط يحول الغاز إلى سائل، والسائل يمكن رؤيته، ولكن المتأخرين، ليبينوا استحالة الرؤية، جعلوا الله خالق الرؤية في العين؛ وبالتالي تكون الرؤية مشروطة بقدرته، كما أن تعلق ذرات التراب بالهواء تجعل رؤية الهواء ممكنة في الرياح أو تحت أشعة الشمس. وقد قال القدماء في الأثير مثل هذا القول في تحديده كجسم لطيف. وهو من نور لشفافيته وعلو رتبته؛ فإذا كان النور عاملا مساعدا على الرؤية للأجسام، فإنه يكون هو نفسه موضوع الرؤية في حالة الملائكة، وهو أقرب إلى تفسير الحكماء الذي اعتمده المتكلمون الطبائعيون. وتشكيلاتها جميلة باهية تفرح ولا تحزن، بعكس تشكيلات الجن التي ترهب وتخيف. والنور أشرف من النار؛ النور للملائكة، والنار للشياطين والجن، والطين للإنسان.
8
وهي كلها تشبيهات إنسانية تدل على رغبة الإنسان في المفارقة، وفي الحصول على موجودات مفارقة لا مادة لها، تكون أقرب إلى قلبه من الموجودات المادية. فعندما يئس من العالم المادي ومن إمكان معرفته أو التأثير فيه، فإنه ينقلب إلى العالم الروحاني؛ فلعل به معارف أفضل، ولعله هو يصبح مفعولا فيه بفاعل أشرف وأسمى. وما دام الإنسان موضوعا للأثر وليس مؤثرا، فعلى الأقل يكون المؤثر فيه شريفا؛ فالملائكة إذن نتيجة للإشراقيات، وازدواج الأشعرية بالتصوف في الشروح المتأخرة.
Página desconocida