De la creencia a la revolución (4): La Profecía - El Más Allá
من العقيدة إلى الثورة (٤): النبوة – المعاد
Géneros
كما يدعو أثر تاريخ الأديان في بعض الأساطير التي تحيط بهم، خاصة وأن القائلين بها كانوا على علم بأساطير مشابهة في دياناتهم التي كانوا يعتنقونها قبل دخولهم في الدين الجديد.
13
ولكن ما يهمنا اليوم ليس تكذيب نبوة هذا أو ذاك؛ فهذا أمر لم يعد له دلالة الآن، ولم يعن لهذه الفرق القديمة وجود، ولا ينتج عن ذلك إلا إثارة الأحقاد في وقت تحتاج الأمة فيه إلى وحدتها بين سنة وشيعة، خاصة بعد اندلاع الثورة الإسلامية الكبرى في إيران، والتأكيد على أن ليس المهم في الإمامة عقائدها النظرية، بل آثارها العملية، وهو مقياس أصولي بين الظن النظري واليقين العملي. (2) هل الرؤية أو الحكمة استمرار للنبوة؟
هل تقوم الرؤية مقام الإمامة وتأخذ وظيفتها في استمرار النبوة؟ هل الرؤية الصالحة درجة من درجات النبوة؟ إذا كانت الرؤية قبل ختم النبوة واكتمال الوحي، وقبل المرحلة الأخيرة فهي ممكنة، بل إن النبوة ذاتها ممكنة حتى ولو لم يقصها الوحي؛ فلربما دعا إليها من الأنبياء الذين لم يقصوا علينا، وربما كانوا من حكماء البشر وملهميهم.
14
أما بعد اكتمال الوحي وختم النبوة فالرؤية خيال باطل بالنسبة للنبوة، وإن كان يمكن أن تكون حقا بالنسبة إلى قدرة الإنسان على التنبؤ بمستقبله، مثل قدرته على تذكر الماضي ومعرفة الحاضر؛ فالإنسان ممتد في الزمان، ووعيه متصل من الماضي إلى الحاضر، ومن الحاضر إلى المستقبل، وإن هموم الإنسان لتظهر في الأحلام، وتوقعاته للمستقبل تتراءى في الحاضر؛ وبالتالي يسهل تفسيرها وقراءتها وترجيح أحد احتمالاتها على الأخرى. وإن رؤيا النبي ليست جزءا من نبوته؛ لأن النبوة لا تتم إلا في حالة اليقظة؛ حتى يتم استيعاب الوحي وحفظه، أو تبليغه لكتبة الوحي للتدوين؛ فالوحي كلام والرؤية مجرد صور. وليس كلام الوحي من اختيار النبي ليصف به ما يراه من صور، بل هو وحي بالمعنى واللفظ. إن رؤيا النبي، مثل رؤى غيره من البشر، تعبير عن همومه اليومية وتطلعاته المستقبلية.
15
الرؤيا لها تفسير طبيعي في حياة الإنسان، ولا شأن لها باتصال المرسل بالمرسل إليه، وهي مثل ما يخطر للبصر دون حضور موضوع؛ أي الرؤية الباطنية للشعور بعد قلب النظرة. ويتم ذلك في حال اليقظة كما يتم في حال النوم، ومثلها مثل أحلام اليقظة، وهي من فعل الطبائع؛ طبيعة النفس وطبيعة البدن، وليست من فعل الله. وإذا كان صدق الرؤيا لا يتحقق إلا في الواقع، يكون الواقع هو المحك في صدق الرؤية؛ وبالتالي لا تحتوي الرؤيا على صدقها الباطني. هي مجرد أضغاث أحلام تعبر عن مكنونات النفس، ولا شأن لها بالصدق أو الكذب؛ فهي ليست وسيلة للمعرفة، بل استمرار لحياة الشعور دون حالة اليقظة، وإعمال لخيال الإنسان في غياب العقل الواعي؛ فهي تفكير من نوع خاص، وتفسيرها الصادق إنما يتم بعد الوقائع، ثم قراءة هذا الواقع في صور الرؤيا. ولو لم تحدث الوقائع على هذا النحو لما أمكن أن يكون للرؤيا أي معنى.
16
فإن لم تكن الرؤية استمرارا للنبوة، فهل الحكمة استمرار لها؟ هل تستطيع النفس بتصفيتها أن تدرك ما يدركه النبي؟ هل يستطيع الحكيم بعقله أن يدرك الحقائق كما يدركها النبي؟ والحقيقة أن السؤال نفسه إنما يتوجه إلى النبوة الرأسية، لا إلى النبوة الأفقية؛ أي إلى نظرية الاتصال، وليس إلى النقل المتواتر. هو سؤال علوم الحكمة في نظرية الاتصال، وليس سؤالا في علم الأصول بشقيه؛ علم أصول الدين وعلم أصول الفقه الذي يتوجه إلى النبوة في التاريخ وعبر الأجيال كعقائد نظرية وكسلوك عملي. إن تجرد النفس الناطقة بطبيعة الحال يجعلها قادرة على إدراك الحقائق النظرية، كما أن تفاوت النفوس في درجات الصفاء والتجريد تجعلها أيضا متفاوتة في درجات الإدراك. فالوحي بهذا المعنى عام وليس خاصا، يستطيعه الفيلسوف كما يستطيعه النبي.
Página desconocida