De la creencia a la revolución (4): La Profecía - El Más Allá
من العقيدة إلى الثورة (٤): النبوة – المعاد
Géneros
وقد يكون الهدف من النسخ التوقف عند مرحلة دون مرحلة، والاعتراف بنبي وإنكار نبي آخر، وهو ما يعارض مسار التطور والهدف من توالي النبوات. قد تعظم مرحلة بالنسبة إلى أخرى، وقد تشير مرحلة إلى تغير كيفي بينما تشير الأخرى إلى مجرد تغير كمي؛ لذلك كانت نبوة موسى وهارون ويوشع لا يمكن إنكارها؛ فموسى صاحب التوراة، وهارون صاحب المعبد والخلافة، ويوشع غازي الأرض والآخذ بيد اليهود من التيه والمستقر في فلسطين. فبينما تقصر النبوة لقصورها على أنبياء «الشريعة والأرض» توسع لتصبح كل من تظهر عليه المعجزات من أجل رد الاعتبار لباقي الأنبياء من بني إسرائيل، ثم تعتبر المعجزات في حالة عيسى ومحمد حيلا ومخاريق تبطل نبوتيهم، ثم يستثنى عيسى كنبي صادق بأنه لم يظهر بعد، وأنه سيظهر في نهاية الزمان. ونهاية الزمان على الأرض؛ لأنه لا يوجد بعث وحياة بعد الموت. ونظرا للخلاف التاريخي حول التوراة، فقد يكون لكل فرقة توراتها، تقرأ فيها عقائدها، وترى فيها نفسها، فالتوراة هي السجل التاريخي لكل فرقة. أما أرض المعاد فالشام وليس فلسطين، ونابلس وليس القدس، ما دام سليمان ليس نبيا؛ مما يدل على أن القدس لم يكن لها هذه الدلالة التي لها الآن في اليهودية، لا قبل سليمان ولا بعده.
6
ويمكن الاعتراف بنبوات المراحل السابقة، بشرط ألا تكون نسخا لبعضها البعض، وكأن نبوة وحي مستقل بذاته، وليست حلقة في مسلسل النبوات؛ وبالتالي تنتفي الحكمة من التسلسل، ألا وهو تطور البشرية وارتقاؤها من مرحلة إلى أخرى. كل نبوة مستقلة بذاتها؛ وبالتالي لا يحدث تراكم كمي يؤدي إلى تغير كيفي، ولا يحدث تواصل بين النبوات، وتبدأ كل نبوة من الصفر ومن حيث بدأت الأولى لدى شعب آخر؛ وبالتالي ينتهي خط التقدم الذي يخترق النبوات، أو على الأقل يغيب التصور الحلزوني لها الذي يجمع بين الدائرة والخط، بين العود الأبدي والتقدم. وكل نبوة محدودة بقوم وجنس، وليست عامة للبشر جميعا، ولا توجد نبوة واحدة قادرة على اختراق حدود القومية والجنس بما في ذلك اليهودية؛ فالنبوة خاصة وليست عامة، فإذا كان النسخ جائزا عقلا ولكن غير واقع عملا، فإنه يكون بلا فائدة، ويكون الجواز العقلي مجرد افتراض صوري لا أثر له ولا فاعلية فيه، فإذا ما تم الاعتراف بنبوتي عيسى ومحمد، كل منهما لقومه، عيسى لبني إسرائيل، ومحمد لبني إسماعيل (وأيوب لبني عميص، وبلعام لبني مواب)، فإنهما لا ينسخان شريعة موسى، فلا تواصل بين النبوات، ولا أثر لأحدهما على الأخرى. ولما كان عمر الدنيا قصيرا لا يتحمل التغيير والتبديل، ونسخ شريعة وإحلال أخرى، ظلت شريعة موسى باقية، وكأن الحياة تعني الثبات دون التغير، وكأن حياة الإنسان وسيلة وبقاء الشريعة غاية. والحقيقة أن التواصل بين النبوات، ونسخ الشريعة المتقدمة للشريعة السابقة، اعتراف بوحدة الوحي وتطوره حتى اكتماله في خاتم النبوة التي تصبح عامة للناس كافة. إن عموم الرسالة لا ينقض خصوص النبوة، كما أن خصوص النبوة لا يعارض عموم الرسالة، فما من قوم إلا وفيهم نذير، وقد يكون لقوم واحد رسولان، وفي هذه الحالة يتفقان في الشريعة، وقد يكون رسول في قوم دون قوم، وقد يظهر رسول عند قوم ورسول آخر عند آخرين، وفي هذه الحالة لا يؤدي اختلاف الزمان إلى اختلاف في الواجبات العقلية، فإذا كان عموم الرسالة مشروطا بالتبليغ بالرغم من خصوصية النبي وقومه، إلا أن هناك رسالات عامة حملها أنبياء للناس جميعا؛ فقد كانت نبوة آدم إلى جميع ولده الذين أدركوه، وكانت نبوة إدريس لجميع الناس في عصره، وكانت نبوة نوح أيضا كذلك، وإلى ما بعد الطوفان، إلى أوان النبي الذي بعده، حتى لا يخلو البشر من رسالة، وكانت نبوة إبراهيم إلى الناس كافة، ومنها رسالة محمد إلى البشر كافة والذين نعرفهم في الدنيا.
7
وقد يثبت النسخ لأن فيه فائدة للملة، وتنكر نبوة محمد لأن فيها إنكارا لها. وهذا موقف متناقض تتعارض نتائجه مع مقدماته؛ فإثبات النسخ يتضمن التسليم بتطور الوحي وباكتمال النبوة؛ أي بنسخ كل مرحلة لاحقة للمرحلة السابقة، وبنسخ المرحلة الأخيرة للمراحل السابقة كلها، ونفي النسخ يجعل من المراحل السابقة مجرد تمهيدات وإرهاصات لها، وأن أنبياء بني إسرائيل ما هي إلا صور مكررة ومصغرة للصور الكبرى الفريدة، السيد المسيح.
8
ويمكن اختيار إحدى مراحل النبوة، واعتبارها هي النبوة كلها طبقا للاتفاق في المزاج والهوى، وتقوم بذلك الديانات التاريخية التي تختار النبوات التي تتفق معها، ثم تختزل باقي المراحل فيها؛ فقد تكون النبوة لآدم وحده دون غيره من الأنبياء، فآدم هو الإنسان الأول وهو النبي الأول، وبعد ذلك تستطيع الإنسانية أن تسير بمفردها برسالة التوحيد والعدل؛ أي بالعقليات دون السمعيات، والعقليات جوهر العقيدة وأساسها، ودون أن يتلقى آدم رسالة، فقد يكون معذورا إذا كان جحودا ناكرا؛ لأنه لم يأته نذير. أعطت النبوة الأولى دفعة أولى للإنسان علما وخلقا؛
وعلم آدم الأسماء كلها . وإذا كانت النبوات جوهرها واحد فلم التكرار؟ ليست الشرائع جوهر التوحيد، والإنسان قادر على صياغة شرائعه طبقا للظروف، ولكن التوحيد غير متطور؛ وبالتالي فلا نبي إلا آدم.
9
والحقيقة أنها نظرة مثالية طوباوية، تجعل الخاص عاما، وترى أن الإنسانية قادرة على التعليم من نبوة واحدة، وأن الحقيقة النظرية لها الأولوية على التشريع العملي، ولكن في واقع الأمر تحتاج الإنسانية إلى نبوات متتالية؛ حتى تتعلم من تجارب الصواب والخطأ، وحتى تتراكم عندها الخبرات، وحتى تتسع دائرة الخاصة أكثر فأكثر، وتقل دائرة العامة. وقد يتم اختيار إبراهيم وحده دون غيره؛ فإبراهيم أبو الأنبياء، صاحب التوحيد الطبيعي ومؤسس دين الفطرة؛ دين العقل والحنفاء، دين الأخلاق والعمل الصالح والتقوى الباطنية. ولما كان الإسلام دين إبراهيم، الحنيفية السمحة، كان الدين واحدا، والنبوة واحدة؛ الدين الشامل للإنسانية جمعاء، وإن إبراهيم بمفرده كان أمة، ومن يرغب عن دينه فإنه لا يكون موحدا.
Página desconocida