De la creencia a la revolución (4): La Profecía - El Más Allá
من العقيدة إلى الثورة (٤): النبوة – المعاد
Géneros
16
وكرد فعل على تكفير الأطفال وعقابهم على كفرهم بناء على كفر آبائهم، قد يجعل البعض إيمان الأطفال وراثيا من عهد الذر الأول! فيولد الأطفال مؤمنين، سواء ولدوا من مؤمنين أو كفار منذ قولهم «بلى» الأولى، ومن مات منهم قبل البلوغ دخل الجنة، وفي هذه الحالة أيضا تنتفي المسئولية الفردية؛ لأن الإيمان وراثة حدث قبل سن البلوغ وكمال العقل. وماذا يحدث لو بلغ الطفل وكفر وأبواه مؤمنان، أو إذا آمن وأبواه كافران؟ كيف يتحول البالغ العاقل من الكفر إلى الإيمان أو من الإيمان إلى الكفر وقد كان الإيمان ضرورة أولى وواقعة كونية لا يمكن التحول عنه بفعل إرادي حر؟
17
وقد يحاول البعض التخلص من المأزق كلية بتحريم دخول الأطفال مؤمنين أو مشركين الجنة أو النار، بل يصيرون ترابا؛ لأنهم أقرب إلى الكائنات الطبيعية غير المكلفة، وهو أقرب إلى العقل، إلا أنه ينكر قيمة الحياة التي تظهر في براءة الطفل وضحكته وحب الناس له وتضحية الوالدين في سبيله.
18
والأقرب إلى العقل في هذا كله أن الأطفال ما داموا غير مكلفين، فإنهم لا يستحقون ثوابا ولا عقابا. ولما كان العقاب أقسى وأخطر، فالعقاب خطأ أشد من الثواب خطأ؛ فإن الأطفال لا يكونون في النار حتى يبلغوا ويصلوا إلى كمال العقل والقدرة على التمييز، وتصبح أفعالهم أفعال استحقاق. ليس المهم في أي مكان يذهبون في الآخرة، ولكن المهم هو أنهم ليسوا في النار. وإذا تساوى الثواب والعقاب فالله إلى الثواب أقرب، وإن تساوى الاستحقاق بين الجنة والنار فالإنسان إلى الجنة أقرب. لا يستحق الطفل موالاة أو عداوة قبل البلوغ وكمال العقل، ولكن نظرا لأنه طبيعة فإنه يكون قبل البلوغ إلى الموالاة أقرب.
19
لذلك كان الأقرب إلى العقل والطبيعة أن يكون الأطفال في الجنة، لا ثوابا ولا تفضلا، بل لأن ذلك أقرب إلى الخير، والطبيعة خيرة والعقل فياض معطاء، ولا فرق في ذلك بين أطفال المؤمنين وأطفال الكافرين؛ فكلاهما لم يبلغا ولم يحدث لهما كمال العقل وهو شرط التكليف، خاصة إذا كانت المعارف كسبية نظرية استدلالية، والنظر ليس مشروطا بالبلوغ؛ النظر بلوغ عقلي في حين أن البلوغ كمال جسدي. وأهم ما يصل إليه النظر هو العقليات؛ أي أصلا التوحيد والعدل، إثبات الذات والصفات، وإثبات الحرية والعقل، ولا يهم بعد ذلك تفريعاتها ودقيقاتها. وقد يكون النظر بخاطر وقد لا يكون، على ما هو معروف في نظرية العلم في المقدمات النظرية الأولى.
20
وقد يضاف أصل الوعد والوعيد، والحقيقة أنه من السمعيات وليس من العقليات، مثل النبوة والإيمان والإمامة عند القدماء. وهذا لا يمنع من تصور الأفعال حسنة في ذاتها أو قبيحة في ذاتها، أو أن لكل فعل نتيجة واستمرارا، وأن نتائج الأفعال من جنسها، وتلخيص ذلك كله في قانون الاستحقاق أو في الواجب العقلي؛ فلا يحسن الفعل لأجل الثواب ولا يقبح العقاب، بل لأجل الوجوب العقلي. وإن كانت الموضوعات سمعية فالنظر فيها ضروري في الحالة الثانية أو في الحالة الثالثة بمجرد سماعها في الحالة الأولى،
Página desconocida