De la Creencia a la Revolución (1): Las Premisas Teóricas
من العقيدة إلى الثورة (١): المقدمات النظرية
Géneros
خامسا: من بناء العلم إلى عقائد الإيمان
بالرغم من المحاولات الإصلاحية الأخيرة التي تمت في بناء العلم من أجل إعادة ربطه بالواقع، وبالتغيرات التي طرأت على حال المسلمين، فإن بناء العلم ذاته الذي تم تكوينه في القرون الثمانية الأولى قد انهار بانهيار المسلمين، وتخلف بتخلفهم، فتحول من بناء للعلم إلى عقائد للإيمان، تحولت الأصول النظرية إلى عقائد إيمانية، وتوارى التحليل العقلي أمام التسليم والتقليد، وظهر الإسلام على أنه مجموعة من العقائد
Crédo
والإسلام ذاته أبعد الأديان عن هذه الصياغة وإلا كان مسيحية، الوحي الإسلامي مجموعة من الأصول العقلية التي هي أيضا بناء الواقع، وكلاهما يمكن التدليل عليه ببرهان العقل وتجربة الواقع، أما العقائد فهي مسلمات إيمانية لا تتضمن التصديق بها، بل مجرد التسليم إما عن طريق التقليد أو بفعل إرادي، وإن من أسباب ضياعنا الحالي هو هذا الانهيار في بناء العلم، وضياع جهد عقلي استمر على مدى ثمانية قرون، وإن من مقومات نهضتنا الحالية هي إعادة بناء العلم التقليدي آخذين في الاعتبار أوضاعنا الحالية، ومطورين الحركات الإصلاحية الأخيرة، معطين لها دفعة جديدة، ناقلين لها من الإصلاح إلى النهضة، ومن الدين إلى الحضارة، ومن الوحي إلى التاريخ، ومن العقيدة إلى الثورة.
وقد بدأ الكلام أيضا في أوله بعلم العقائد، وكأن تاريخ العلم في نهايته يعود إلى ما بدأ منه، وكأن نهاية الحضارة شبيهة بأولها من حيث الضعف، وغياب البناء العقلي، وإذا كانت البداية تتطور وتتكون حتى يظهر البناء العقلي للعلم وكيان الحضارة، فإن النهاية انهيار ونكوص وردة ورجوع إلى البداية، لا مستقبل لها ولا أمل أمامها إلا البداية من جديد عن طريق إحياء القديم، وإعادة تفسير بنائه ثم إعادة البناء وتطويره طبقا لظروف العصر ومتطلباته؛ ففي كتب العقائد المتقدمة لا يوجد بناء نظري، بل يوجد فقط ما يجب على المؤمن اعتقاده والتسليم به، وكأن المقدمات النظرية كانت هي الوريث الوحيد لوجوب الإيمان والتسليم بالعقائد، فلما اختفت هذه المقدمات عاود الإيمان بالتسليم إلى الظهور كمقدمة للعلم بديلا عن المقدمات النظرية، وقد غلب على موضوعات العقائد المتقدمة أيضا مسائل الإلهيات والسمعيات دون ترتيب أو تبويب كبناء العلم المتأخر ودون إحصاء أو عد للعقائد كما هو الحال في علم العقائد الآن، تتداخل المسائل فيما بينها بادئة بالتعبير عن مضمون الإيمان ثم متناولة موضوعات الصفات وعلى رأسها الكلام والصفات الخبرية، ثم خلق الأفعال، والإيمان، والنبوة، والإمامة، ثم تعود مسائل الإيمان والوعد والوعيد، والمعجزات، والصفات، وعلى رأسها الرؤية والمسائل الأخروية، كان المهم هو الدفاع عن العقائد، والإعلان عنها، وليس بناؤها النظري أو عدها الإحصائي؛ لأن العقائد لم تكن قد استقرت بعد في بناء أو في إحصاء، فوجودها سابق على البحث عن النظرية أو عن قياس الكم، وقد تم هذا الإعلان المبكر عن العقائد كرد فعل على المحاولات الأولى التي قام بها المعتزلة لتنظير العقائد دفاعا عنها ضد المعتقدات والمذاهب والآراء الغازية، فإذا كانت العقائد الأولى رد فعل على التعقيل والتنظير، فإن العقائد المتأخرة كانت نتيجة لغياب التعقيل والتنظير.
1 (1) أحكام العقل الثلاثة وإحصاء العقائد حول الله والرسول
في العقائد المتأخرة، ابتداء من القرن السابع، انقلبت المقدمات النظرية عن العلم والوجود إلى مقدمة واحدة عن أحكام العقل الثلاثة، الواجب والممكن والمستحيل التي يتحد فيها العلم والوجود معا. تقلص العلم إلى أحكام العقل كما تقلص الوجود إلى مقولات ذهنية تشير إليه، كما تحولت الإلهيات (العقليات) والسمعيات (الظنيات) إلى محوري الله والرسول وتشخيص البناء المزدوج للعقائد في قطبين رئيسين؛ وبالتالي كان علم العقائد هو ما يجب وما يستحيل وما يجوز على الله، وما يجب وما يستحيل وما يجوز على الرسول، وبدأ العلم في إحصاء عدد العقائد وحصرها كما فيتفاوت عددها، مرة ثمانية وأربعون، ومرة خمسون، لا أقل من ذلك ولا أكثر! ولما كان الله أهم من الرسول وأعظم، فقد حاز على إحدى وأربعين عقيدة، ولم يبق للرسول إلا سبع عقائد. يشمل الله ستة أسباع العلم، والرسول سبعه الأخير، مما يؤكد تركيز فكرنا القومي على الله متبادلا مع الرسول، في حين أن ما ينقص شعورنا المعاصر محوران غائبان، هما: الإنسان والتاريخ، حاولنا العثور عليهما داخل بناء علم أصول الدين، الإنسان في الإلهيات، والتاريخ في السمعيات.
2
وقد بلغت العقائد في الله إحدى وأربعين عقيدة؛ لأن ما يجب له عشرون وما يستحيل عليه عشرون، وما تجوز له واحدة، وقد بلغ ما يجب له عشرون لأن أوصاف الذات ست: الوجود، والقدم، والبقاء، والمخالفة للحوادث، وأنه ليس في محل، وأنه واحد. وصفاتها سبع: العلم، والقدرة، والحياة، والسمع، والبصر، والكلام، والإرادة. فيكون المجموع عندئذ ثلاث عشرة صفة، ولكن إمعانا في إثبات الصفات ضد منكريها، مع أن نفي الصفات لم يقدر له أن يستمر تاريخيا؛ ومن ثم لم يعد خطرا على العقائد كي تحدد عددها درءا له، تكررت الصفات مرة للذات، أوصاف الله الستة، ومرة للفعل، صفات الله السبع، لم يعد يكفي العلم، والقدرة، والحياة، والسمع، والبصر، والكلام، والإرادة، بل أضيف إمعانا لإثبات الصفات: أن يعلم، وأن يقدر، وأن يحيي، وأن يبصر، وأن يتكلم، وأن يريد؛ وبالتالي أصبح الله عالما بعلم، وقادرا بقدرة، وحيا بحياة، وسميعا بسمع، وبصيرا ببصر، ومتكلما بكلام، ومريدا بإرادة، فانقسمت كل صفة على نفسها أو ازدوجت، وأصبح مجموعها أربع عشرة صفة تكون مع أوصاف الذات الست عشرين صفة أضيف إلى صفات الذات السبع صفات فعل سبع، وأصبح المجموع مع أوصاف الذات الست عشرين صفة، فإذا أتينا بأضداد هذه العشرين صفة ونفيناها حصلنا على عشرين أخرى، وهي ما يستحيل له من صفات الذات، مثل: الجهل، والعجز، والموت، والصمم، والعمى، والبكم، والكراهة؛ ومن صفات الفعل وهي: أن يجهل، وأن يعجز، وأن يموت، وأن يصم، وأن يعمى، وأن يبكم، وأن يكره؛ فيكون الله عالما بعلم وليس جاهلا بجهل، قادرا بقدرة وليس عاجزا بعجز، حيا بحياة وليس ميتا بموت، سامعا بسمع وليس أصم بصمم، بصيرا ببصر وليس أعمى بعمى، متكلما بكلام وليس أبكم ببكم، مريدا بإرادة وليس كارها بكراهية، فيكون المجموع ثمان وعشرين صفة، صفة الذات وصفة الفعل وأضدادهما؛ أي سبعة مضروبة في أربعة! فإذا قمنا بنفس التمرين العقلي، الفصل ثم القلب، التمييز ثم العكس، الازدواج ثم التضاد في أوصاف الذات الست، وجدنا القدماء قد قاموا بعملية عقلية واحدة، وهي التضاد والقلب والعكس دون الفصل والتمييز والازدواج، فأضافوا إلى أوصاف الذات الست: الوجود، والقدم، والبقاء، والمخالفة للحوادث، وأن لا في محل، والوحدانية، أضافوا إليها أضدادها، وهي: العدم، والحدوث، والفناء، والمشابهة للحوادث، والحلول، والتعدد من أجل نفيها؛ فأصبح الله وجودا لا عدما، قدما لا حدوثا، بقاء لا فناء، مخالفا للحوادث لا شبيها لها، لا في محل وليس حالا، واحدا وليس متعددا، فيكون المجموع اثنتي عشرة صفة، وبإضافتهما إلى الصفات الثماني والعشرين فيكون المجموع أربعين صفة في الله، ولكن يبقى السؤال: لماذا لم يقم القدماء بالعملية العقلية الثانية، عملية الفصل والتمييز والازدواج أيضا في أوصاف الذات بين أوصاف الذات وأوصاف الفعل، وأبقت أوصاف الذات وحدها؟ لماذا لا تكون أوصاف الذات أسوة بصفاتها أيضا مزدوجة فيكون الله موجودا بوجود، قديما بقدم، باقيا ببقاء، مخالفا للحوادث بمخالفة للحوادث، لا في محل بلا في محلية، واحدا بوحدانية، ولماذا لا ينقلب كلاهما إلى الضدين، فيكون الله: موجودا بوجود وليس معدوما بعدم، قديما بقدم وليس حادثا بحدوث، باقيا ببقاء وليس فانيا بفناء، مخالفا للحوادث بمخالفة الحوادث وليس شبيها للحوادث بمشابهة للحوادث، لا في محل بلا في محلية وليس حالا بحلول، واحدا بوحدانية وليس متعددا بتعدد، فيكون المجموع حينئذ أربعة وعشرين وصفا للذات، ست منها أولى مضروبة في أربعة، ويكون المجموع النهائي ثمان وعشرين صفة للذات وأربعة وعشرين وصفا لها، فيكون المجموع الكلي اثنتين وخمسين عقيدة في الله وحده على المسلم أن يؤمن بها! سبحان الله! تعالى الله عما يصفون! لا يخضع الإحصاء إذن لتحليل عقلي صارم، جامع مانع، بل هو تنظير كمي صرف للصفات القديمة في صورة عقائد، يعتمد أساسا على عمليات عقلية صرفة، فارغة بلا مضمون، عندما تعيش العقائد على نفسها ومن ذاتها وكأنها ليست تعبيرا عن واقع، وليست موجهات للسلوك، ولا تعطي تصورا للعالم.
فإن كان ما يجب لله وما يستحيل عليه كأول حكمين من أحكام العقل يشيران إلى الشيء وضده؛ أي إلى الصفة وضدها، وهي عند القدماء أربعون في الله، واثنتان وخمسون طبقا للإحصاء العقلي الكامل، فإن الحكم العقلي الثالث، وهو ما يجوز لله فإنه عند القدماء شيئان: الأول ما يمكن فعله أو تركه، وهنا يظهر العدل كملحق للتوحيد، ولا ينال إلا صفة واحدة بعد الأربعين في الله، ويكون أيضا صفة لله، والثاني رؤية الله، رؤيته لفعله ضمن ما يجوز له أي من جانب موضوع الرؤية وليس من جانب ذات الرائي، بل ويظهر الموضوع الثاني، وهو رؤية الله، مزاحما للموضوع الأول وهو ما يجوز فعله وما يجوز تركه، وهو أصل العدل بتعبير المعتزلة، حتى يصبح العدل عند الأشاعرة، نصف صفة بعد أن شاركتها الرؤية، ومن ثم لا يزيد العدل عندهم على أكثر من واحد في المائة من مادة العقائد كلها، حتى إن العدل ليختفي كلية من العقائد المتأخرة كما هو مختف حتى الآن في وجداننا المعاصر، بل إنه لم يصبح أصلا عقليا أو مصلحة واقعية بل تحول إلى حيز الإمكان، جواز الفعل والترك، وخرج من حيز الوجوب، وجوب العدل، أو حيز الاستحالة، استحالة الظلم، وإذا كان القدماء قد طبقوا قسمة الصفات إلى صفات ذات وصفات فعل ثم قلبها إلى أضدادها ونفيها، فإنهم قد فعلوا ذلك في حكمي العقل الأولين، ما يجب لله وما يستحيل عليه، ولكنهم لم يفعلوه مع ما يجوز له، وتركوها صفة واحدة تشمل صفتين، جواز الفعل والترك، وجواز الرؤية. في حين أنها طبقا لمنطق القسمة والتضاد تصبح يجوز بجواز حرصا على التمييز بين صفة الذات وصفة الفعل، سواء انطبق ذلك على الفعل والترك أم على الرؤية، ولكن يصعب قلب الصفة، صفة الجواز إلى ضدها، فضدها إما الوجوب أو الاستحالة، وهما الحكمان الأولان للعقل؛ وبالتالي تنقسم الصفة الواحدة والأربعون إلى اثنتين، ويصبح مجموع الصفات نظرا وافتراضا اثنتين وخمسين في الوجوب والاستحالة، واثنتين في الجواز، على فرض اعتبار جواز الفعل والترك وجواز الرؤية صفة واحدة، فيكون المجموع أربعا وخمسين، وإذا أردنا فصل الصفتين في الجواز فيجوز الفعل والترك بجواز، وتجوز الرؤية بجواز يكون مجموع العقائد في الله ستا وخمسين! والبقية تأتي! وهل تنتهي عمليات العقل؟ وهل الصفات متناهية؟
Página desconocida