De la Creencia a la Revolución (1): Las Premisas Teóricas
من العقيدة إلى الثورة (١): المقدمات النظرية
Géneros
لا عجب إذن أن تكون المصنفات الكلامية في معظمها «سنية أشعرية» إلا فيما ندر؛ دفاعا عن فرقة بعينها هي الفرقة الناجية! الدفاع عن العقائد إذن هو في الحقيقة دفاع عن المذهبية، ودفاع عن الفرق الدينية، ودفاع عن الموقع من السلطة، سلطة الحكم أو سلطة المعارضة. والمذهبية والتحزب كلاهما وقوع في التعصب، والانغلاق، وضيق الأفق، والتضحية بمصالح الناس من أجل وهم انفعالي أو مصلحة خاصة، لا يعني ذلك التخلي عن المعارك الفكرية، فهي ضرورية للتصديق والبرهان، وللحوار بين الفرق لتوعية الجماهير وخلق جو ثقافي عام قادر على تحريك العقول، وتنشيط الأذهان، دون الانتساب المسبق إلى مذهب معين حتى يتم استبعاد «الدجماطيقية» ويبدأ التنوير، وتثار التساؤلات، وتطرح البدائل، ويعاد الاختيار، ودون الولاء لفرقة بعينها، حتى يتم جمع شمل الأمة في إطار الوحدة الوطنية دون صراع على السلطة، إعدادا للأمة لمرحلة قادمة تعود إليها وحدتها المفقودة منذ الفتنة الأولى.
6
وغالبا ما يكون الدفاع دفاعا عن النفس وليس دفاعا عن الفكرة، ويكون الهجوم هجوما على الآخر وليس هجوما على الفكرة؛ وبالتالي يقضي على استقلالية الفكر وشموليته، ويتحول إلى فكر متجسد في أفراد وأشخاص، وتتحول الحجة من حجة ضد الفكرة إلى حجة ضد الشخص
Argumentum Ad Hominem
وهو الشائع في حياتنا الثقافية المعاصرة، ولما كان كل فرد يمثل مصلحة خاصة أو مصلحة جماعة تحول علم الكلام إلى علم يكشف عن تضارب المصالح والأهواء، ويعبر عن القوى الاجتماعية وصراعاتها، فالجدل في نهاية الأمر تبرير نظري لصراع القوى الاجتماعية، انقلب العلم إلى تجريح، وقد يكون ذلك أحد أسباب تسمية علم الكلام من «الكلم» أي «الجرح»؛ أي التأثير القوي الذي يصل إلى حد الجرح؛ لذلك أنشئ علم مستقل هو علم آداب النظر والجدل للتقليل من آثار الجروح والتخفيف من المثالب والطعان على أصحاب الرأي والنظر.
7
فإذا كان القدماء قد وجهوا كل هممهم للدفاع عن العقائد القديمة، فإننا نوجه جهدنا لإعادة بنائها؛ لأنها ما زالت تعطينا تصوراتنا للعالم وتعمل كموجهات لسلوكنا المعاصر، وقد يكون بعضها سببا من أسباب الاحتلال والتخلف - وهما أزمتا العصر - ومعوقا لجهودنا من أجل التحرر والتنمية، وقد يكون بعضها مانعا من الاحتلال والتخلف، ودافعا للتحرر والتنمية، ولكن ظل طاقة مختزنة تتجاهلها القوى العلمانية وتحجرها القوى السلفية، إذا كان القدماء قد دافعوا عن العقائد طبقا لحاجات عصرهم، فإننا نحلل الأفكار لمعرفة آثارها النفسية والاجتماعية، وقدرتها على تحريك الجماهير طبقا لمقتضيات عصرنا، كما نحلل الواقع المعاصر ونصف مكوناته الذهنية والنفسية لمعرفة حاجاته، فالدفاع عن العقيدة عند القدماء يصبح هنا تحليلا للأفكار ووصفا للواقع وتنمية للمجتمع، وتغييرا للأوضاع الاجتماعية، ودفعا لحركة التاريخ إلى مرحلة تالية أكثر تقدما، العقيدة باعث على السلوك، وليست حقيقة مستقلة قائمة بذاتها إلا من حيث قدرتها على التغيير، وتصور بناء يجد فيه الواقع ذاته بصورة أفضل وأشمل وأكمل، العقائد في المجتمعات النامية - وذلك لأنها مجتمعات تراثية - طريق للتغير الاجتماعي ووسيلة لتحقيق الأهداف القومية.
8 (3) هل الجدل علم؟
والجدل ليس علما، بل هو أقرب إلى الفن منه إلى العلم؛ إذ يقوم على المهارة في إفحام الخصوم، ولا يعتمد إلا على الجهد الفردي الخالص، هو فن يعتمد على الكلام، كما تعتمد الفلسفة على المنطق؛ فالكلام آلة للعقائد كما أن المنطق آلة للعلوم، ومن هنا أتت تسمية علم الكلام «فن الجدل والمهاترات»،
9
Página desconocida