De la Creencia a la Revolución (1): Las Premisas Teóricas
من العقيدة إلى الثورة (١): المقدمات النظرية
Géneros
21
شخصنا الأفكار في القادة والزعماء، وحولنا صراع الأفكار والمذاهب إلى صراعات بين أفراد، وحولنا الاعتقاد بالنظريات إلى إيمان بالأفراد، وأصبح كل نقد للأفكار هو نقد للأفراد، والولاء للأفكار هو ولاء للأشخاص، هنا تكمن الجذور التاريخية إذن «لعبادة الأشخاص» وهو العيب الرئيسي في الحياة السياسية لدى الشعوب المتخلفة.
22
إن إدخال الرسول كجزء من موضوع العلم هو تحويل للتوحيد من أساسه الأفقي - الوحي في التاريخ - إلى أساسه الرأسي، الصلة بين الله والنبي وذلك بالحديث عن نظرية الاتصال، ووسائل الاتصال، والحجاب، والملاك، والمخيلة كما حدث في علوم الحكمة في حين أن ما يهمنا نحن هو الوحي بعد إعلانه - وليس قبله - وفهمه وتفسيره وتأويله من أجل الاستفادة منه في حياتنا العملية كما حرص على ذلك علم أصول الفقه في تحويل الوحي إلى علم دقيق ابتداء من لحظة الإعلان عنه وليس قبل ذلك حتى لحظة تحققه في الحياة العملية كسلوك للأفراد وكنظام للجماعة، سواء فيما يتعلق بالصحة التاريخية للنصوص من خلال مناهج الرواية أو الفهم لها من خلال مبادئ اللغة وأسباب النزول أو تحويلها إلى سلوك في الحياة العملية من خلال المقاصد والأحكام.
23
خلط علم الكلام إذن بين النبي والرسول، وتعرض للنبي كما تعرضت له علوم الحكمة وعلوم التصوف وعلم السيرة، ولم يتعرض إلى الرسول من حيث الرسالة كما هو الحال في علم الحديث أو علم أصول الفقه. فإذا كان الدافع على إقامة علم الكلام هو وقوع أخبار تتعلق بحياة الناس فيمكن تحويل هذه الأخبار إلى علم عن طريق التحقق من صدقها كما هو الحال في علم الحديث أو معرفة معانيها كما هو الحال في علوم التفسير أو الاستفادة منها في الحياة العملية كما هو الحال في علوم الفقه أو التصوف، ولا محل لعلم الكلام، هذا بالإضافة إلى أن كل ما وصل إليه علم الكلام في حديثه المنعرج عن النبي هي صفات النبي الأربعة مثل صفات الله السبعة، وخصال الرئيس العديدة أي التركيز على السمات الرئيسية في الشخص، إذا صلح الشخص انتظم الواقع وصلح الناس، فخصال الأفراد هي التي تحدد طبيعة النظم الاجتماعية، وهو تحليل ناقص يغفل دور المؤسسات والشعوب والأفكار ومن ثم فهو غير علمي، النظم الاجتماعية لها استقلالها عن خصال الأفراد حتى ولو كانت خصال الرؤساء، بل إن شخص الرسول سيتدخل في الجزاء ويخرق قانون الاستحقاق عن طريق الشفاعة كخرق الله لقانون الطبيعة عن طريق المعجزات، لقد ركز العلم على ضرورة المعجزة لإثبات النبوة وتأييدا للأخبار التي أتى بها الرسول؛ وذلك عن طريق أفعال خارقة للعادة في حين أن الوحي في آخر مراحله، وهو الوحي الإسلامي، له يقينه الداخلي، وصدقه الذاتي، ولا يحتاج إلى برهان خارجي، فضلا عن أن المعجزة بمعنى خرق قوانين الطبيعة ربما كانت موجودة في المراحل السابقة للوحي من أجل تحرير الشعور الإنساني من سيطرة الطبيعة أو من سلطة الحاكم المطلق، فالله وحده هو القادر على كسر كل القوانين الطبيعية وعلى كل النظم السياسية القائمة على حكم الفرد المطلق، ولكن في آخر مرحلة من مراحل الوحي تتحول المعجزة إلى إعجاز، ويكون الفكر والفن، وهما دعامتا الوحي، المضمون والصورة، الموضوع والأسلوب هما موضوعا الإعجاز؛ فالمعرفة الإنسانية مهما تقدمت فإنها ستظل تجد في الوحي نظريات صادقة، وأن الخلق الفني الإنساني مهما عظم فإنه سيظل يجد في أسلوب الوحي عملا فنيا باقيا على كل العصور، الوحي في آخر مراحله إعلان لاستقلال الإنسان عقلا وإرادة دونما حاجة إلى تدخل خارجي في عقله أو في إرادته من أجل الحصول على معرفة أو تحقيق فعل، مهمة الوحي وضرورته هي في إعطاء مجموعة من الافتراضات النظرية تسهل عمليات فهم الواقع بعد التحقق من صدقها بالدليل العملي أو البرهان النظري، كما أنها تقصر الطريق بإعطائها الأساس النظري من أجل أن يكرس الإنسان كل جهده وطاقته في التحقيق، بالإضافة إلى أن هذا الأساس النظري شامل وعام ومحايد، لا يخضع لهوى أو مصلحة، بل يحقق مصالح الفرد والجماعة أيا كانت، وذلك بخلاف المعرفة الإنسانية التي قد يطول البحث عنها والتي قد تقع في التجزئة وأحادية الطرف والتحيز والتي قد لا يتم الوصول إليها قبل نهاية حياة الإنسان والتي قد تنعزل وتنحصر عن الواقع، وتظل في حدود النظرية. وقوع المعجزات الآن إما شعوذة أو سحر أو خرافة أو وهم، ويمكن القضاء على كل ذلك بالنظرة العلمية للواقع، وبتوجيه الجماعة نحو الثقافة النظرية العلمية، وقد تخلفت حركاتنا الإصلاحية الحديثة عن دعوتها وذلك لاستمرار إيمانها بالمعجزات بمعانيها التقليدية كدليل على صدق النبوة، وكخبر متواتر، وإن كانت قد حاولت أن تجعل منها باعثا على الفكر والتأمل في الطبيعة، وكشفا عن مجاهل العلم، ويظل الخوف قائما من أن يتحول هذا البحث إلى تسليم بالأسرار طالما ظل الإيمان سائدا على العقل. (4) الأمور العامة
وقد يكون موضوع العلم هو الوجود بما هو موجود على قانون الإسلام وليس بحثا إلهيا عاما ودون الوقوع في التشخيص، والموجود هو الذي يمكن إدراكه بالأمور العامة مثل الوجود والماهية، الجوهر والعرض، الوجوب والإمكان، العلة والمعلول، الواحد والكثير ... إلخ، وهي آخر ما وصل إليه علم الكلام من تطور نظري من أجل إدراك معنى الوجود والاستدلال به على مدلوله، وهو أكثر الموضوعات تجريدا وصورية، لقد استطاعت هذه الأمور العامة تحويل الوحي إلى علم أوليات
Axiomatique
أي إلى مجموعة من المبادئ العقلية العامة الواضحة بذاتها، أوليات خالصة لا يسبقها شيء كما هو واضح في نظريتي العلم والوجود.
24
Página desconocida