De la Creencia a la Revolución (1): Las Premisas Teóricas
من العقيدة إلى الثورة (١): المقدمات النظرية
Géneros
يفيد النظر العلم عن طريق إعداد النفس لتقبل الفيض أو الإلهام. النظر يعد الذهن، والنتيجة تفيض عليه وجوبا. وفي حقيقة الأمر إن هذا الافتراض خروج على النظر ودخول في الفيض والإلهام الذي هو إنكار للنظر. ويجعل مصدر العلم من خارج الشعور وليس من داخله، ويقلل من دور الذهن والنظر. فقد يحدث النظر ويبخل «صاحب» الفيض. وما دام صاحب الفيض كريما، فلماذا النظر؟ صحيح أن هناك معارف حدسية، ولكنها تتم من خلال من النظر ومن داخله قفزا على المقدمات وليست مستقلة عنه، وتتم من داخل الشعور وليس من خارجه. وهذا هو تصور الحكماء الذي يجمع بين تصوري المعتزلة والأشاعرة؛ لأنه يقوم على الوجوب مثل المعتزلة؛ أي وجوب إفادة النظر للعلم ضرورة، ولكنه وجوب من «العقل الفعال» الذي منه يفيض العلم إلى داخل الشعور نقشا عليه بدلا أن ينشأ من داخل الشعور نبتا فيه. صحيح أن الشعور به استعداد وتهيؤ، ولكن العلم لا ينشأ من «العقل الفعال» الذي حوى كل العلوم. وهو افتراض يجعل نظرية العلم أقرب إلى الأسطورة أو التشبيه الأولي منها إلى تحليل العلم. أين «العقل الفعال»؟ ما هي العلوم المخزونة فيه؟ من الذي وضعها؟ هل هي مدونة (اللوح المحفوظ) أم شفاهية؟ وكيف تنزل إلى عالم الأرض؟ وكيف تدخل في شعور الإنسان؟ وكيف تنقش فيه؟ وهل هي مقولات (تصورات) أم ألفاظ أم معان؟ وكيف يتم الحصول عليها؟ وهل هناك اتفاق عليها كما وكيفا، فهما وتفسيرا؟ إذا كان المقصود وجود الحقائق كأبنية مستقلة في العقل، فإن «العقل الفعال» يكون داخل الشعور وليس خارجه.
1 (ب)
وقد يفيد النظر العلم عن طريق الوجوب لا عن طريق التولد، يعني الوجوب لزوم النتائج عن المقدمات ضرورة، ويعني عدم التولد أن تكون هذه الضرورة خارجية وليست داخلية؛ لأن الممكنات كلها مستندة إلى «الله»، والله لا يجب عليه شيء. يقوم هذا الافتراض، في واقع الأمر، بخطوة إلى الأمام في الربط الضروري بين النظر والعلم، ثم بخطوة إلى الخلف في رفض أن يكون هذا الارتباط داخليا في الشعور. كما أنه يدخل افتراضا أكبر لا حاجة له حتى الآن في بناء نظرية العلم، وهو إسناد هذا الارتباط الممكن إلى «الله»، والله لم يثبت بعد كذات أو صفات أو أفعال. ما زال في هذا الافتراض حساسية ضد الاعتراف بالطبيعة وقوانينها المستقلة؛ وبالتالي فإنه يعبر عن نظرة متطهرة دينيا مدمرة للعالم علميا. وكل قضاء على الضرورة الداخلية في العالم هدم لنظرية العلم، وقد شاء هذا الافتراض أن يقدم حلا وسطا بين الوجوب والتوليد، فقال بالوجوب غير المتولد، والحلول الوسط لا تؤدي إلى حل الإشكال المنهجي أو إلى إعطاء نظرية جديدة تبين نسبة النظر إلى العلم. القول بالوجوب مع نفي التوليد قول بالوجوب العقلي الصوري دون الوجوب الطبيعي المادي، وهو الوجوب المنطقي الخالص عن طريق إحضار مقدمتين في الذهن ولزوم نتيجة ثالثة منهما. ولكن هذا الوجوب الصوري الآلي يغفل التيار الحي للشعور، كما أنه يجعل العلم قضايا تتداخل فيما بينها عن طريق الاستغراق، وليست دلالات أو معاني جديدة تحدث في الشعور. كما أنه يغفل نظرية الحدس والرؤية المباشرة للدلالات. إن القول بإفادة النظر للعلم وجوبا ثم إسناد هذا الوجوب إلى «الله»، وهو تحويل هذا الوجوب إلى إمكان خالص وبالتالي القضاء على الوجوب ذاته، وهو المقصود، ويتفق مع مذهب الأشاعرة.
2
ولكن الإفادة بلا وجوب لا تعني هدم الضرورة بين النظر والعلم، بل تعني أن العلاقة بينهما غير لازمة أو لازمة بالضرورة، فقد يحدث النظر دون العلم لأن النظر ما زال جاريا ولأن الدلالة لم تنكشف بعد. وقد حصل العلم بأقل قدر ممكن من النظر، وتنكشف الدلالة بسرعة وربما سابقا لأوانها. يتم النظر والعلم في الشعور، وعمل الشعور أوسع بكثير من النظر والعلم؛ النظر مقدمات الشعور، والعلم نتائجه، وبينهما تحدث الرؤية التي لا تحدد متى يحدث العلم بالنظر والتي قد تجعل العلاقة بين النظر والعلم علاقة غير ضرورية من حيث الكم أو من حيث الضرورة. ولكن العلاقة الكيفية ممكنة ومحتملة. لا يعني ذلك إنكار النظر وإثبات حصول العلم بالإلهام، بل إدخال رؤية الشعور لإدراك الدلالة. ليس عمل الشعور النظر والعلم فقط، الوسيلة والغاية، المنهج والقانون، فهناك الدلالة وإدراك الدلالة.
3 (ج)
يفيد النظر العلم عن طريق العادة، بمعنى الإعداد أو الإفادة أو التضمن أو الاقتضاء. طالما مارس الإنسان النظر أفاد العلم. فارتباط النظر بالعلم عن طريق العادة والتكرار.
4
والحقيقة أن ذلك ينفي وجود حقائق علمية مستقلة عن تكوينها، ويخلط بين مستوى النشأة والتكوين ومستوى الماهية والدلالة، ويرد الثاني إلى الأول، مع أن التعالي أو المفارقة له وظيفة علمية هو الحرص على التمييز بين المستويات. أما افتراض أن «الله» هو سبب العادة، وأنه هو الخالق للاقتران بين النظر والعلم، فهو افتراض سابق لأوانه عن تأسيس نظرية العلم؛ لأن «الذات» لم يتم إثباتها بعد. كما أنه خلط بين موضوع تأسيس العلم وموضوع خلق الأفعال، وتصور كل واجب ممكن وإسناده إلى «الله» وبالتالي القضاء على استقلال قوانين الطبيعة. وكيف يمكن المحافظة على التنزيه و«الله» يقرن بين النظر والعلم كما يقرن بين الاحتراق والنار؟ وقد يكون هذا الاقتران عادة صرفة أو عادة مع الكسب؛ مما يدل على الخلط بين موضوعي العلم وخلق الأفعال. وقد يكون لزوما عقليا محضا، ولكن أيضا بخلق «الله» وليس عن طريق قوانين العقل. وبالتالي يكون هذا الافتراض هدما لقانون العلية وهدما لأوائل العقول.
وقد تصور الأشاعرة أن القول بالتوليد يعني القول بالوجوب، أي وجود علاقة ضرورية بين العلة والمعلول؛ أي بين النظر والعلم، وبالتالي النيل من «الإرادة الإلهية» التي لا يجب عليها شيء، فأنكروا التوليد وجعلوا النظر يتضمن العلم ولا يولده أو يوحده، هو شرط وليس علة موجبة، على عكس التوليد عند المعتزلة الموجب للعلم إيجاب العلة إلى معلولها. وهنا ينشأ الصراع بين نظرية العلم كتحليل للعقل بصرف النظر عن «الإلهيات» وبين نظرية العلم التي تريد أن تكون مقدمة للإلهيات. إن إنكار توليد النظر للعلم وإيجاب وجود العلة للمعلول هو في الحقيقة تفكير «إليه» مقنع؛ إذ لا يجب على «الله» شيء حتى في العلم، في حين أن الوجوب في العلم ضروري لأنه ربط النظر بالعلم عن طريق الدليل هو أيضا وجوب؛ لذلك كانت المشكلة جزءا من خلق الأفعال وليست مسألة علمية خالصة. وسواء كان النظر بفعل الإرادة القديمة أو كسبا للعبد، فإن إحداث النظر للعلم يتم بفعل إرادة خارجية عند الأشاعرة - بالرغم من أن الكسب اقتراب من أفعال الشعور الداخلية - وليس بأفعال الشعور. وبالتالي فإن إدخال افتراض «الله» لتأسيس نظرية العلم سابق لأوانه، بل وهدم للعلم لأنه أوسع بكثير من موضوع العلم. وما زال السؤال: هل النظر يفيد العلم «بالله»؟ لم يطرح بعد داخل نظرية العلم. ومن ثم فكل استباق للفكر «الإلهي» قبل تأسيس نظرية العلم هدم للعلم.
Página desconocida