De la doctrina a la revolución: fe y acción - La imamía
من العقيدة إلى الثورة (٥): الإيمان والعمل - الإمامة
Géneros
والحقيقة أن المهم ليس هو الإيمان النظري والكفر النظري، ولكن مضمون كل منهما، إيمان بماذا وكفر بماذا؟ أليست كل معرفة معرفة بشيء؟ وإذا كان مضمون المعرفة إما العقليات أو السمعيات، وشملت العقليات أصلي التوحيد والعدل، وضمت السمعيات النبوة والمعاد والأسماء والأحكام والإمامة، فإن الإيمان بالرسل أدخل في السمعيات. ويمكن الوصول إلى أصلي التوحيد والعدل بالعقل دونما حاجة إلى النبوة أي إلى الرسل، بل إن الإيمان بالسمعيات مثل النبوة إنما ناتج عن الإيمان بالعقليات بأصلي التوحيد والعدل؛ نظرا لأن العلم والكلام من صفات الذات؛ وبالتالي إمكانية الوحي الذي هو إيصال للعلم من خلال الكلام. كما أن الإيمان النظري لا يقوم على الترغيب والترهيب، أي على الوعد والوعيد، بل على النظرة العلمية للواقع، وعن رغبة الإنسان في تجاوز الحاضر والتعرف على المستقبل للإعداد له. أما موضوع الأسماء والأحكام وموضوع الإمامة فهما مسألتان عمليتان يمكن معرفتهما بتحديد السلوك الأخلاقي للأفراد والنظم السياسية للمجتمعات، وليسا موضوعا للإيمان النظري.
12
وقد لا يتطلب الإيمان بالرسل ضرورة التعيين؛ أي تعيين الرسول كشخص محدد في التاريخ؛ فالرسول مجرد حامل الرسالة، والرسالة يتم تبليغها ونقلها نقلا صحيحا متواترا. لا يوجد تكفير في خطأ تعيين موضوعات العقائد في التاريخ؛ فالتصديق لا يعني تطابق العقيدة مع الواقع، بل تطابق العقيدة مع النفس، وقدرتها على التأثير فيها، والفاعلية في السلوك.
13
وهل العقائد وقائع تاريخية خالصة تكون الأعذار بالجهالة فيها أعذارا في واقعة وليست في عقيدة؟ إن العقائد تصورات وبواعث على السلوك، وليست وقائع تاريخية يمكن التحقق من صدقها بعلم الآثار. والروايات تثبت صحة الأقوال، وليست صحة الحوادث؛ أي تطابق الرسول مع الراوي، وليس تطابق أقوال الرسول أو الراوي مع الواقع.
ليس المهم هو الإيمان أو الكفر النظريان، ولكن مدى تأثير كل منهما في الحياة العملية، وتوجيههما سلوك الناس نحو الخير والعدل؛ فالتوحيد لا يعني إثبات ذات مشخصة فاعلة خارج العالم والإنسان، بل يعني وجود الوعي الخالص داخل الإنسان باعتباره ذاتا. ومعرفة أسماء الله ليست مجرد معرفة نظرية صورية خالصة، بل هي معرفة بالأسس النظرية للعمل. وليست المعرفة بأن للعالم صانعا معرفة نظرية خالصة، بل هي معرفة موجهة للسلوك العملي في نطاق عالم مخلوق يمكن تغييره وبناء نظمه. إن العقائد هي الأسس النظرية للسلوك، والسلوك هو الممارسات العملية للعقائد؛ وبالتالي لا يوجد فصل بين النظر والعمل. العقائد دوافع للسلوك، والسلوك توجيهات للعقائد. وما الفائدة من عقائد ميتة؟ ما فائدتها لو آمن بها الإنسان دون أن تحدث سلوكا أو تغير واقعا؟ ألم يربط الوحي بالإيمان والعمل الصالح في كل آياته؟ بل إن العمل الصالح يغفر الكفر النظري، والأصعب يجب الأسهل ويحتويه. وماذا عن الإيمان النظري الذي لم يشفع لصاحبه لأنه بلا عمل صالح؟ ألا يشجع هذا الإيمان النظري على الفسق والعصيان، وعلى أن يعيش الإنسان مزدوجا، مؤمنا نظرا، وفاسقا عملا، بشرعية تامة وتبرير للنفس؟ ألا يعطي ذلك شرعية للعصيان؟ أليس هذا هو حال الأمة اليوم، إيمان نظرا، وفسق عملا، باسم الدين وباسم الشرعية التاريخية التي تساندها بعض الأمثال العامية في المساجد ومن خلال أجهزة الإعلام؟ إن المعاصي لا تقع عن جهل بالله، ولكن لعدم تحول المعرفة إلى سلوك، ووجود دوافع في الإنسان أقوى من الدوافع النظرية، وهي الدوافع الوجدانية والفعلية. المعرفة النظرية أحد أبعاد الشعور، وليست كل أبعاده. وقد تكون المعاصي مصدرا للمعرفة بالتجربة للتحقق من صدق المعرفة النظرية؛ وبالتالي تكون الأفعال جزءا من المعارف النظرية من حيث المصدر ومن حيث التحقق.
14
إن المعرفة ما هي إلا أحد أبعاد الشعور مع التصديق والإقرار والعمل، وهي لا تعني بالضرورة الخضوع والاستسلام والقبول والرضا؛ لأن الفكر يتحول إلى بناء شعوري يرمي إلى تغيير الواقع؛ لذلك لم يكن إبليس مخطئا في الرفض، ولم يكن مستكبرا، بل كان واعيا نظريا ومحققا لفعل الرفض، ولكنه أخطأ في تحليل الموقف؛ فقد خلط بين الكم والكيف؛ فالتفاضل في الكم بين النار والطين لا يؤدي بالضرورة إلى تفاضل في الكيف، كما أنه رفض الاعتراف بأن الإنسان سيد الكون، وأن كل شيء مسخر له. ومع ذلك فإن موقف إبليس يدل على شيئين؛ الأول الموقف الواعي وعدم الخضوع، الرفض نتيجة لإعمال الفكر، والثاني تحدي الآخر والثقة بالنفس.
15
إن تعدد المعارف النظرية ممكن، ولكن وحدة العمل واجبة؛ إذ لا يمكن توحيد الأطر النظرية لكل الناس، في حين أنه يمكن الاتفاق على برنامج عملي موحد. وطالما صالت وجالت الحناجر والأفواه وتصارعت العقول في مسائل نظرية خالصة دون أن يؤدي ذلك إلى اختلاف في وحدة العمل؛ أي أكبر قدر ممكن من الخلاف النظري، وأكبر قدر ممكن من الاتفاق العملي. لا يكفر أحد في الإطار النظري، وهو التوحيد والعدل، أي العقليات، والأولى لا يحدث ذلك في السمعيات التي ليس فيها يقين أصلا. إن التناقض في القول والخلاف في النظر ليس كفرا؛ فليس لأحد قول إلا وله قول مخالف، فكلنا راد وكلنا مردود عليه. ليس ذلك وقوعا في تكافؤ الأدلة أو في النسبية، بل هو مراعاة لتعدد الأطر النظرية مع وحدة العمل والسلوك.
Página desconocida