De la doctrina a la revolución: fe y acción - La imamía
من العقيدة إلى الثورة (٥): الإيمان والعمل - الإمامة
Géneros
وقد تعتمد عقائد أخرى للمقاومة السرية لا على الثنائية المتعارضة بين الخير والشر، بل على الحلول، حلول الله في الإنسان، وحلول الروح في البدن. فنتيجة لإبعاد الله عن العالم يأتي إليه، ونتيجة لإبعاد المظلوم وإنكار حقه فإنه يتأكد بحلول الله فيه. يظل الله حاضرا حتى ولو فني الإنسان، فالحق باق حتى ولو انهزم أنصاره. وكما يحل الله في الإنسان يحل في الكون، ويصبح الله والإنسان والطبيعة شيئا واحدا. هذا الإنسان الذي يحل فيه هو الإنسان المتميز، القائد الزعيم، وهو الإمام الذي يقوم بالتبليغ عن الرسالة ثانية باسم الله إلى الأمة ليمحق الظلم، ويعيد الحق، ويؤسس العدل. فإذا ما حلت الروح في البدن أصبح سلوك الجوارح شرعيا بفعل الروح، فتسقط العبادات والمحرمات والشرائع التي تمارسها وتطلبها فرقة السلطان، وتكون للجماعة السرية شريعتها الخاصة التي تقوم على التحرر الذاتي مع النفس إن استحال التحرر من الآخر في الخارج. وتجوز شهادة الزور على مخالفيهم، بل وخنقهم تقوية لأواصر الجماعة السرية، وتفكيكا لنظام جماعة الغلبة والقهر. كل من عداهم كافر، كافرون الذين لا يناصرون الإمام الحق، وكافر الإمام الحق الذي يترك قتال أعدائه. ونتيجة ذلك كان حكم فرقة السلطان عليهم بالردة، وحكمهم حكم المرتدين.
43
وقد تأخذ عقائد المعارضة صورا أبسط بدلا من الثنائية بين الله والشيطان، أو حلول الله في الإمام، وهي عقائد التجسيم والتشبيه؛ ففي التجسيم يكون لله حد ونهاية من جهة السفل، ومنها يماس عرشه، ويكون محلا للحوادث، يرى الشيء برؤية تحدث فيه، ويدرك ما يسمعه بإدراك ما يحدث فيه. وفي التشبيه يكون الله على صورة إنسان. وإذا ما عبد الإنسان الله فإنه يعبد إنسانا مثله. والحقيقة أن التجسيم والتشبيه إنما يمثلان رد فعل على إبعاد الله عن حياة البشر، واعتباره الفوق المطلق الذي ليس كمثله شيء، ثم يعتمد السلطان على هذا التصور ليتمثله ويصبح هو الله. فبدلا من الله السلطان أو السلطان الله، هناك الإله التاريخ أو التاريخ الإله، الذي يحدث فيه كل ما يقع في العالم من حوادث ومآس. وهناك الإله الإنسان والإنسان الإله، أي إنسان وليس السلطان القريب من المباشر والشبيه به. ولا يعني ذلك إفساد دلالة الحدوث على التوحيد؛ لأنه إن لم يكن العالم حادثا ثم يكن هناك طريق لمعرفة الصانع، فالعالم ليس سلما لغيره، وإثبات الله لا يكون على حساب العالم بنفيه. فالله هو العالم، والعالم هو الله. وبالتالي تعود الروح إلى الطبيعة كي ترفعها إليه. وكلهم في حكم الكفرة عبدة الأوثان عند فرقة السلطان.
44
وفي صياغة أخرى لعقائد المعارضة بالإضافة إلى الثنائية المتعارضة بين النور والظلمة، أو حلول روح الله في شخص الإمام، أو القول بالتجسيم والتشبيه، يتم الإعلان عن ألوهية الأئمة. فالإمام لم يمت، بل هو حي قائم في الجبال يعيش مع الأسود والنمور وفي الكهوف والوديان، تأتيه الملائكة برزقه غدوة وعشية، لا يموت إلا بعد أن يعيد الحق إلى نصابه، ويملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا. يتحد بالعالم وبالكون فيأتي في السحاب. والتصديق به داخلي محض عن اقتناع باطني، وليس عن شهادة حسية، حتى ولو أوتي أنصاره بدماغه سبعين مرة لم يصدقوا بموته.
45
وما دام الإمام إلها حيا لم يمت فإنه يعود ويرجع، ينتظره الناس حتى يقودهم للقضاء على نظم البغي وشرائع البطلان. ومن الطبيعي في مجتمع الاضطهاد أن يتحول الموت إلى حياة، والهزيمة إلى نصر، والزعيم إلى إله؛ فالتقصير في حق الإمام يؤدي إلى الغلو فيه. وقد ترتبط ألوهية الأئمة بالتجسيم، فيكون الرب سبعة أشبار بشبر نفسه؛ نظرا لأن العدد سبعة عدد رمزي، والله يكون مقياس نفسه ذاتا وموضوعا، ولا يقاس بشيء غيره. لحم ودم على صورة إنسان ترد عليه الشمس مرتين، على رأسه تاج، أعضاؤه على عدد حروف الهجاء، الألف للساقين. لما أراد أن يخلق تكلم باسمه الأكبر، فوقع التاج؛ فالله كلمة، أي إن جسمه حروف، وعدد أعضائه بعدد الحروف، الألف للساقين، والخلق جزء منه بالكلمة، تاج على رأسه. فالله إنسان وكون، ثم يتحول التوحيد إلى العدل عندما يكتب الله بأصبعه أعمال العباد من المعاصي والطاعات؛ أي إنه كل شيء مقدر سلفا، ولا حرية ولا اختيار للعباد. ولما كانت رؤية المعاصي مثيرة للإزعاج والغضب، انفض عرقا واجتمع منه بحران؛ الأول مالح مظلم للمعاصي، والثاني عذب نير للطاعات. وكأن العالم في البداية أصله الشر. فلما رأى ظلمة في البحر وأتى ليأخذها، طار وأخذه، وقلع عيني الظل، وخلق منه الشمس وشمسا أخرى، الكفار من الملح المظلم، والمؤمنون من العذب النير. هذه أسطورة تمثل الصراع بين الخير والشر بين العدل والظلم، بين مجتمع الاضطهاد ومجتمع القهر. مصائر البشر طبقا لخطة كونية، وليست طبقا لاختيار العباد بعد أن أساء العباد الاختيار، أو وقعوا تحت ضغوط الرشوة والتعذيب، فتأففوا واختاروا على غير ما اعتقدوا.
46
وإذا كان الله قريبا من العباد فإن علمه محدث، لم يكن يعلم شيئا حتى أحدث لنفسه علما. والله يريد الشيء ويعزم عليه، ثم تبدو له البداوات؛ لأن علمه حادث متغير. وقد رجع ذلك إلى قوة الحوادث وإلى قرب الله، وأن الله يصبح كصفحة للتاريخ تسطر فيها الحوادث، وتسجل مآسي البشر.
47
Página desconocida