De la doctrina a la revolución: fe y acción - La imamía
من العقيدة إلى الثورة (٥): الإيمان والعمل - الإمامة
Géneros
33
أما النصارى فليس كلهم مشركين غير موحدين، وإن كانت الغالبية تقول بالتثليث على اختلاف درجات التركيز حول طبيعة المسيح، إله أو ابن الله أو ثلاثة أقانيم في جوهر واحد، وعلى اختلاف درجات تصور اتحاد الله بالابن بين الاتحاد على الحقيقة، وبين ظهور النقش في الطين والشمع وظهور الشعاع على ما ظهر عليه. وهي أقوال لا تختلف كثيرا عن أقوال الصوفية في الاتحاد بالله، وحلول الله في الإنسان ووحدته في العالم. وهي تصورات نظرية ترفضها فرق أخرى قديما وحديثا تقول بالتوحيد. وتظل الممارسة العملية لبعض الفرق التي تمارس التقوى والفضيلة، وتأتي بالأعمال الصالحة، هي المحك في ولايتها، التزاوج منها وأكل ذبائحها واعتبارها ضمن فرق الأمة.
34
وأخيرا أشكل الأمر في المجوس؛ هل هم أهل كتاب أحدثوا القول بصانعين، أحدهما بخلق الخير والآخر بخلق الشر، ثم رفع كتابهم كما هو الحال في رفع السيد المسيح؟ هل هم ثنوية في الأصل من أصحاب النور والظلمة ودانوا بعبادة النار؟ هل تؤخذ منهم الجزية كأهل الكتاب، ويكونون كأهل أوثان في الذبائح والنكاح؟ وما دية المجوسي، مساوية لدية المسلم نفسا بنفس، أو لا تساويها لأن المسلم لا يقتل بالذمي؟ وما دية الذمي، نصف دية المسلم أو ثلثها؛ وبالتالي تكون دية المجوسي خمس دية الذمي أو جزءا من خمسة عشر جزءا؟ ألا يساوي إنسان إنسانا آخر في القصاص؟ وهل يتدخل الخلاف العقائدي في قيمة الإنسان، أم أن الغرض من ذلك كله هو تجويز فشل المخالف في الرأي والتخلص منه؟
35 (2-3) حكم من لم يبلغهم الإسلام أو المرتدين عنه
وهذه ليست فرقة بقدر ما هي جماعة لم تبلغها دعوة الإسلام، أو بلغتها ثم ارتدت عنه. الأولى معذورة لأنه لا حكم إلا بعد البلاغ، والثانية لا عذر لها للنكوص والارتداد. وفي كلتا الحالتين تنبع قيمة الإنسان من فكره، ويستمد وجوده من عقيدته؛ فالذين لم تبلغهم دعوة الإسلام إن كانوا وراء السد أو في طرف من أطراف الأرض ولم تبلغهم دعوة الإسلام، وكانوا معتقدين لما دل عليه العقل من حدوث العالم وتوحيد الصانع وصفاته، فهم كالمسلمين؛ فالعقل والوحي طريقان يوصلان إلى الحقيقة نفسها، ولكن لما كان الإسلام عقيدة وشريعة يظل السؤال: هل لا بد لهم من شريعة؟ لو بلغتهم دعوة الإسلام فإنهم يدعون إلى أحكام الشريعة. فإن امتنعوا عن قبولها ولم يكونوا على شرع أهل الكتاب، صاروا كالوثنية الذين لا تقبل منهم الجزية. وفي هذه الحالة ألا تشفع لهم معارفهم النظرية، خاصة إذا ما أدت إلى السلوك الفاضل والعمل الصالح؟ ألا تكفي شريعة العقل العملية، شريعة الطبيعة والفطرة، وهو الإسلام الطبيعي؟ وإن كانوا أهل كتاب ولم تبلغهم دعوة الإسلام، ثم امتنعوا عن قبوله بعد إبلاغهم، صاروا مثل أهل الجزية، ولا يجوز قتلهم قبل دعوتهم إلى الإسلام وإقامة الحجة عليهم، فلا عقيدة بلا حجة. ولكن ما العمل إذا غلبوا بالحجة، أو إذا لم يقتنعوا بالحجة وأصروا على طلب البرهان؟ وما ديته في حالة القتل؟ أيكون بغير دية ما دام بغير عقيدة، فقيمة الإنسان بعقيدته، أم له دية المسلم، فلا فرق بين إنسان وآخر من حيث قيمته، أو كدية أهل دينه يهوديا كان أم نصرانيا، أو كدية المجوسي إن لم يكن له دين؟
36
أما المرتد فإنه يستتاب وإلا قتل، ولا تقبل منه الجزية حتى تستباح دماء المخالفين في الرأي باعتبار الرأي المخالف ردة. ولما كان الرجال هم أداة المقاومة أكثر من النساء، فقد خف الحكم على المرأة المرتدة. قد يكون حكمها كالرجل تستتاب، ولا تقتل دون أن تسترق أو لا تقتل. فإن لحقت بدار الحرب جاز استرقاقها بعد السبي حتى لا تفكر في المقاومة والخروج على السلطان. ويجب قضاء الصلوات والصوم المتروكين في حالة الردة دون الحج. وقد لا يوجب ذلك، وإنما الذي يوجب هو الحج قبل الردة. وأداء الشعائر لا يتم إلا بالعقيدة، حيث يجب الاستسلام المطلق لعقائد الفرقة الناجية ولأوامر السلطان. أما أولاد المرتدين فيجوز استرقاقهم إرهابا للآباء، وقد يتركون لحالهم رحمة بالآباء. وارتداد الصبي غير صحيح، ويظل على عقائد السلطان. أما إسلامه فصحيح أيضا إلا إذا رجع عنه بعد بلوغه فيصير مرتدا. وإن إظهار الصبي الإسلام يفرق بينه وبين أبويه حتى لا يفتناه عن دينه، وإن رجع إلى دين أبويه كان من أهل الجزية وليس من المرتدين. وإذا ارتد الزوجان انفسخ النكاح إن كانت الردة قبل الدخول، ويوقف على العدة إن كانت بعد الدخول، فإن انقضت التوبة قبل الرجوع إلى الإسلام انفسخ النكاح، وإن أسلما قبل العدة بقيا على النكاح الأول. وقد يبقى النكاح إعطاء للأولوية للعشرة التي تجمع بين الزوجين على العقيدة التي تفرق بينهما. وهكذا تصبح الفرقة العقائدية وسيلة لفك أواصر الرباط الاجتماعي، وكأن السلطان هو الأب والزوج لجميع المؤمنين، يشاطرونه عقائده ويمتثلون لأوامره. إنما الغاية من الحكم على المرتد عزله اجتماعيا، فلا تحل ذبيحته ولا نكاحه، ولا دية له، ولا قصاص على قاتله.
37
وكثيرا ما يستعمل قانون الردة حاليا للإرهاب الفكري والسياسي. وهي واقعة لا تعم بها البلوى، وتبلغ ندرتها إلى حد استحالتها. وأين السبي والاسترقاق الآن، ومن الذي يمارسه؟ إنما تقضي الردة الآن الرجوع إلى الوراء وتبني مرحلة سابقة من مراحل سابقة من مراحل الوحي دون مرحلته الأخيرة، حيث يكتمل الوحي وتختتم النبوة، ويعان عن استقلال الإنسان عقلا وإرادة؛ فالردة نكوص وتراجع، في حين أن الإسلام تأكيد لتحقيق الوحي لغايته، تقدم الوعي الإنساني حتى يصل إلى مرحلة الاستقلال. (3) فرق المعارضة
Página desconocida