De la doctrina a la revolución: fe y acción - La imamía
من العقيدة إلى الثورة (٥): الإيمان والعمل - الإمامة
Géneros
التكفير إذن سلاح مشهور ضد الخصوم السياسيين، حتى ولو كانت عقائدهم تشارك عقائد الفرقة الناجية، ولكن تستعمل لحساب المعارضة والثورة، وليس لحساب الخضوع والاستسلام. فإثبات القدر ونفي قدرة الإنسان لو كان ذلك من أجل قدرة الثورة على الظلم، واتباع التكليف الذي هو أصل البقاء، فإنه يكون كفرا. أما إذا أدى إلى الخضوع والتسليم فإنه يكون إيمانا! وإثبات الجبر، والاعتراف بالقضاء والقدر، لو كان الهدف من ذلك الثورة ضد الظلم والانتصار للحق ضد الباطل - وهو ما حاولته الحركات الإصلاحية الحديثة باعتبار أن الإيمان بالقضاء والقدر يولد قوة هائلة على التحرر؛ لأنه يمنع من التردد والإحجام والشك والتذبذب - فإنه يكون كفرا. أما إذا ولد الإيمان بالقضاء والقدر الاستسلام للأمر الواقع، والخضوع للسلطان، فهو لب الإيمان!
62
إن الفرقة الناجية في موضوع خلق الأفعال تعلن عن الإيمان، وهو تحصيل حاصل دون برهان أو إقناع. وإذا كان عمل العقل في التوحيد غالبا ما يكون تحصيل حاصل، إلا أن عمله في خلق الأفعال يقوم على تحليل السلوك الإنساني. وما الفائدة من الدفاع عن حق الله وحقوق الإنسان أولى بالدفاع؟ ألا تؤدي عقائد الفرقة الناجية في موضوع الأفعال إلى تدمير الإنسانية المستقلة، والقضاء على المبادرة الحرة، وإنهاء أية إمكانية للخلق والإبداع؟ ألا ينتهي ذلك إلى تبرير نظم القهر والطغيان، فما أسهل أن يتمثل السلطان دور الله، ثم يزحزحه شيئا فشيئا حتى يتحول إلى سلطان إله، ويتحول الله إلى إله سلطان؟ هل النجاة في الاستسلام للأمر الواقع، وإنهاء أية إمكانية للتغيير في الحاضر أو المستقبل؟ (2-4) العقل الغائي
ولا يظهر سلاح التفكير كثيرا في موضوع العقل الغائي، الشق الثاني من أصل العدل في الإنسان المتعين؛ إذ تتفق الفرق جميعا الناجية والضالة في أن للعقل دورا في فهم النقل، وهو أساس نظرية العلم في المقدمات النظرية الأولى، بل يحتاج التشبيه إلى عقل من أجل الأحكام النظرية. ولا غرابة أن يكون أول الخلق حيا حتى يصح منه الاستدلال؛ إذ لا استدلال بلا حياة.
63
وإن تحليل الألفاظ في النقل لا يتم إلا بالعقل، وإلا لكان استعمالا لحجة سلطان بلا برهان. ولا سبيل إلى إحكام الألفاظ المتشابهة، أو إلى تحقيق المجاز، أو تخصيص العام، أو تقييد المطلق، أو الاستثناء، إلا بإعمال العقل في اللغة. والألفاظ إما من الوحي أو من الاستعمال أو من العقل؛ فالعقل الذي يشمل الحس والاشتقاق قرينة لفهم النص مع الاصطلاح والعرف. وإن تحليل الترادف والاشتراك والتضاد إنما يتم ذلك كله بالعقل. وإذا كان اللفظ إنما هو وسيلة لحمل المعنى ودال على دلالة، فإن المعنى أو الدلالة لا يمكن فهمها إلا بالعقل.
64
لا سبيل إذن إلا استعمال التأويل؛ فإذا كان التفسير الحرفي يوقع في التجسيم والتشبيه، فإن التأويل الباطني يوقع في تجسيم مضاد، وتشخيص للنص، وتعيين له في واقع نفسي معين. فإذا كان التجسيم والتشبيه يتمان في مجتمع السلطة، فإن التأويل الباطني يتم في مجتمع الاضطهاد. فكل مضطهد يثور على الاضطهاد يكون بيانا للناس، وهو المخاطب بالوحي، وهو الذي يحل روح الإله فيه، ويكون الظالم هو الطاغوت والشيطان.
65
فإذا كان التأويل الحرفي إنما يتبع المتقدمين ويقلد السابقين دون إعمال لقواعد اللغة أو لمصالح الأمة، فإن التأويل العقلي إنما يهدف إلى تنزيه التوحيد وتثبيت العدل. إن الفهم الحرفي للنصوص يؤدي إلى تحويل الصورة الذهنية إلى شيء، والأثر النفسي إلى واقعة مادية، والخيال إلى حس، حتى ولو اصطدم ذلك بالعقل والطبيعة والحرية وخالف المسئولية والقانون والعدل، في حين يبدو أن العقل هو السبيل لفهم حقائق الوحي، وتحويلها من الصورة الذهنية إلى المعنى العقلي، من التشبيه إلى وجه الشبه. التأويل العقلي إذن هو السبيل إلى التنزيه وفهم الوحي، والقضاء على كل أساس مادي أو حسي في التجسيم، والرجوع من الصور الذهنية إلى المعاني العقلية، والانتقال في النهاية من التشبيه إلى التنزيه. العقل هو الوسيلة التي بها يمكن إحكام التشابه في النصوص؛ إذ إن كثيرا منها مجازيا لا يحتوي على فكرة بقدر ما يوحي بصورة فنية الغرض منها التأثير على النفوس؛ فالتأويل ضرورة للتنزيه.
Página desconocida