De la Creencia a la Revolución (3): La Justicia
من العقيدة إلى الثورة (٣): العدل
Géneros
175
كما أن القول بتقدم القدرة لمقدورها يوجب انقطاع الرغبات عن المؤله المشخص، وذلك بخلاف رغبات المسلمين التي لا تنقطع بل تكون ممتدة. حتى المؤله المشخص خلط بين العلة الفاعلة والعلة الغائية. القدرة علة فاعلة. صحيح أن الفعل يتحقق بمجموع علل فاعلة وغائية، ولكن القول بتقدم العلة الفاعلة لا يعني بالضرورة انقطاع العلة الغائية، بل إن العلة الغائية هي المحرك للعلة الفاعلة؛ لما كان الإنسان مجموعة من الغايات تنظمها غاية واحدة. يحدث كل ذلك في حياة الإنسان، وبدون حياة الإنسان لا يكون هناك فعل أو غاية. وإن تخيل حياة مطلقة تمتد فيها الغايات إلى ما لا نهاية مجرد فكر بالتمني، تضحية بالواقع في سبيل الممكن، وقضاء على النسبي في سبيل المطلق.
176
وإن قيل: لو كانت القدرة صالحة للضدين لما كان أحدهما بالوقوع أولى من صاحبه إلا بأمر مخصص؛ وبالتالي خلق القدرة للإتيان بأحد الضدين دون الآخر كما هو الحال في الكسب هو هذا الأمر المخصص، فإن ذلك القول لا يعني بالضرورة خلق قدرة مقارنة تجعل أحد الضدين واقعا دون الآخر، بل يعني وجود أمر مخصص وهو الباعث على تحقيق أحد الفعلين. والباعث موجود دون حاجة إلى أمر زائد. تحدث القدرة من الباعث ولا تحتاج إلى شيء آخر توجد به؛ لأنها لا تحدث على سبيل الإيجاد بل على سبيل التأثير.
177
ولا يقال إن المتعلقات بالأغيار مشتركة في أنها لا تتعلق بالضدين، ولما كانت القدرة متعلقة بالأغيار، فإنها لا تتعلق بالضدين وبالتالي تكون مقارنة للمقدور كما هو الحال في نظرية الكسب؛ وذلك لأن تعلق القدرة بالضدين جائز، ولكن وقوع أحد الضدين دون الآخر لا يتعلق بالقدرة وحدها السابقة على الفعل بل أيضا بالباعث المصاحب للفعل، وبالغاية التي يهدف إليها الفعل.
178
إن الأفعال المتماثلة والمختلفة والمتضادة، كل منها محتاج في نظرية الكسب إلى قدرة خاصة، فالقدرة الواحدة في الكسب لا تكون على إرادتين أو حركتين أو مثلين؛ لأن كل قدرة مصاحبة لفعل، وكل فعل يحدث بقدرة. وما دام الإنسان قدر على الفعل مرة فإنه لا يقدر على فعل آخر مشابها له ومساويا إياه إلا بقدرة أخرى. وهكذا يحتاج الإنسان في كل مرة يفعل فيها فعلا إلى قدرة جديدة. لا توجد الحركتان في لحظة واحدة لأنهما تكونان إما حركة واحدة أو حركتين متضادتين، فإن كانتا حركة واحدة امتنع التماثل، وإن كانتا متضادتين وقعت إحداهما دون الأخرى لأن القدرة لا تتعلق بالضدين ولا تقعان واحدة تلو الأخرى لأن القدرة لا تبقى في الزمان ولا توجد إلا في اللحظة. تقع حركة واحدة بقدرة واحدة في لحظة واحدة. وتحتاج الحركة الثانية إلى قدرة ثانية في لحظة ثانية. والحقيقة أن هذا التصور كله للتماثل والاختلاف والتضاد في الأفعال على ما تعرضه نظرية الكسب ينافي الحس والمشاهدة والعادة ويضاد التعلم والممارسة التي يتحول فيها الفعل بالتكرار إلى طبيعة ثانية. صحيح أن الجدة في الفعل أكثر إشراقا وحيوية من الفعل المتكرر ولكن هذه الجدة مرتبطة بتجدد الباعث نفسه وحضور الغاية ماثلة باستمرار والشوق إلى الفعل الذي يحقق رسالة الإنسان وغايته.
179
وكما لا تقع المتماثلات في الكسب بقدرة واحدة، فالأولى ألا تقع المختلفات وإلا لاستطاع الإنسان بقدرة واحدة أن يفعل كل شيء. وهذا افتراض محض لأن قدرة واحدة لها مداها، وكل فعل يحتاج إلى قدرة مساوية له حتى يتم الفعل. فلا يمكن رفع حجر بأصبع واحد ولكن يمكن رفعه باليد.
Página desconocida