De la Creencia a la Revolución (3): La Justicia
من العقيدة إلى الثورة (٣): العدل
Géneros
يحدث الفعل في الحقيقة على علم حاصل بقدر الإمكان؛ إذ يصعب أو قد يستحيل الإلمام نظريا بجميع العوامل الداخلة في ميدان الفعل لاحتمال تدخل الجديد باستمرار. ولكن اعتمادا على سرعة البديهة وأخذ القرار، واعتمادا على القدرة على التكيف في إتيان الفعل يمكن التغلب على عدم المعرفة بالتفاصيل. والتفاصيل هي الدالة على الفعل المؤثرة فيه لا التفاصيل غير الدالة التي لا تؤثر في سريان الفعل. ولما كان الفعل يتحدد أساسا بالأفكار والبواعث والغايات وطبيعة الموقف، فإن ما سوى ذلك تفاصيل غير دالة مثل تركيب اليد أو لونها أو عدد شعيرات جلدها!
والفعل غير المقصود وغير المروي هو الفعل الأمثل. وأفعال المصادفة والحظ ليست أفعالا تقوم على علم مسبق. وأفعال المصادفة لا تثبت إرادة خارجية ، بل لا تثبت إلا المصادفة. وحتى لو كانت كذلك فكيف تكون أفعال عدم التروي والمصادفة دليلا على المؤله المعبود؟ (3)
ولا يعني العلم الشامل كصفة للمؤله إثباتا للجبر بأي حال؛ فبالإضافة إلى أن ذاته تشخيص لعواطف التعظيم والإجلال وليس له وجود واقعي في العالم، فإن وجود علم شامل لا يعني بالضرورة وقوعه. هناك فرق بين العلم والإرادة، بين النظر والعمل. ولكن قد يقال إن من صفات العلم الكامل تحقيقه، وإن التمييز بين العلم والإرادة أو بين النظر والعمل أو بين الممكن والواقع أو بين الماهية والوجود لا يحدث إلا في الإنسان. ففي هذه الحالة لا مفر من الوقوع في التشخيص.
40
والإخبار عن شيء في الوحي بأنه سيقع أو لن يقع لا يعني إثبات أي جبر على الحوادث؛ فهذا علم مسبق معطى للإنسان كي يقيم حياته ويحقق غايته على أساس نظري يقيني. فالوحي يعطي النظرية مسبقا حتى يكون الجهد كله للعمل. الإخبار عن شيء لا يعني حدوث الشيء، بل يعني يقينا نظريا مسبقا على الإنسان أن يحققه بفعله. إن معرفة الاشتراكي المسبقة بانتصار الطبقة العاملة لا تعني تدخل أية إرادة خارجية تنصر الطبقة العاملة، بل تعني إعطاء اليقين النظري اللازم حتى تقوم الطبقة العاملة بفعل الانتصار. إن إخبار الوحي بأن أمة ما هي خير أمة أخرجت للناس لا تعني أن هذه الأمة قد أصبحت كذلك بالفعل، بل تعني كشف إمكانية خالصة تتحول إلى حقيقة بفعل هذه الأمة وتحقيق شرطها.
41 (4)
ولا يعني وجود إرادة شاملة مطلقة إلغاء الحرية الإنسانية، فهذه الإرادة معلقة بذات هو في الحقيقة تشخيص لعواطف التأليه التي هي في حقيقتها عواطف تعظيم وإجلال، إما كتعويض نفسي عن هزيمة أو كائنات سلطة في مجتمع منتصر. ولو قيل إن إرادة المؤله إرادة في ذاته، ولا تعني وقوع إرادته بالضرورة على نحو إنساني لم تعد الإرادة على مستوى الكمال. فالإرادة الكاملة هي الإرادة في الذات وفي الغير على السواء. والإرادة في الذات دون الغير إرادة ناقصة. وكيف يمكن تصور إرادة نظرية دون إرادة عملية؟ الإرادة الشاملة مثل العلم الشامل، كلاهما حق نظري لله لا ينفيان واقع الإنسان العملي كإنسان عامل ومريد.
42 (5)
والأفعال اللاإرادية ووقوعها لا تثبت تدخل أية إرادة خارجية في سير الحوادث، بل هي أفعال متوقعة من الإنسان. وكثيرا ما وقعت أفعال دون قصد، وكثيرا ما رمى الإنسان إلى فعل شيء فحدث شيء آخر. وذلك يثبت فقط أنه لا توجد صلة حتمية بين الفعل والقصد، وذلك لأن الإنسان حر حتى في داخل فعله، وأنه يصعب التنبؤ بمسار الفعل وغايته حتى لو أعدت العدة كاملة له. وكثيرا ما رمى العلماء إلى اكتشاف شيء فاكتشفوا غيره وهم بصدد البحث.
43
Página desconocida