184

De la Creencia a la Revolución (3): La Justicia

من العقيدة إلى الثورة (٣): العدل

Géneros

60 (2-2) إثبات العقل بعد السمع

والحقائق العقلية هي أساس الحقائق الشرعية، وإن إبطال الأولى يرفع الثانية. وموضوعية القيم سابقة على حكم الشرع. وما حكم الشرع إلا تأييد لها وتقوية للبواعث الإنسانية وتحويل لها إلى دوافع للسلوك ومقاصد وأهداف. العقل ضروري لفهم النقل، وإلا نزل النقل على خواء وهبط الوحي إلى فراغ. معرفة صحة السمع متوقفة على العقل. وما تفتقر صحة السمع إليه لا يجوز أن يحتاج فيه إلى سمع لأنه يؤدي إلى الدور؛ وبالتالي إلى إبطال الاثنين. وإن إثبات العلوم الضرورية سمعا تناقض لأن العقل مكتف بذاته ولا يمكن إثباته إلا بالعقل. فلا يمكن معرفة صحة الكتاب والسنة إلا مع العلم بأن الله حكيم لا يفعل القبيح، وذلك لا يعرف إلا عقلا. يمكن معرفة الله إذن بالعقل دون السمع. وهناك الدواعي مع النظر والخواطر؛ لذلك كان النظر أول الواجبات.

61

أما المعجزة فهي تصديق لا تصور، والنظر في صدق النبي متوقف على العقل؛ إذ إن العقل شرط صحة السمع، وذلك يوجب كون العقل مستقلا بذاته دون سمع، وليس في حاجة إلى كرم لطف أو بيان مصلحة. لو لم يكن الواجب عقلا لزم إفحام الأنبياء الذين يعتمدون على البرهان والعقل. فصدق النبوة ليس بالمعجزة الخارجية بل بالبراهين الداخلية، كما أن جلب المصالح ودرء المفاسد وهو أساس الشريعة من استنباط العقل.

62

بل إن قانون الاستحقاق ذاته الذي تترتب عليه أمور المعاد من وضع العقل.

63

إن معرفة النقل قائمة على معرفة العقل ووجوب النظر. وإن إيجاد الأدلة والبراهين لا يعني الاعتماد على العقل، بل هو بحث عن أساس عقلي للنص. وفي الغالب ما يكون أساسا خطابيا انفعاليا تصويريا في حاجة إلى نقد عقلي للنص حتى يتحول إلى برهان محكم. ومثال ذلك دليل الحدوث ودليل التمانع ومعظم الأدلة التي صاغها الأشاعرة. يمكن معرفة القانون العام من الوحي ومن العقل على السواء. ولكن نظرا لأن معرفة الوحي قد تتغير بفعل النسخ؛ فتظل المعرفة العقلية قائمة وثابتة، فهي الضابط والمحك والمقياس. وإذا ما ورد دليل الشرع في ظاهره مخالفا لدليل العقل فإنه يتم تأويله؛ فالعقل أساس السمع، ولا يجوز وقوع تناقض بينهما.

64

إذا تعارض النقل والعقل فإنه يمكن حل هذا التعارض بالتأويل، إما تأويل النصوص بعضها بالبعض أو تأويلها جميعا بحيث تتفق مع العقل على ما هو معروف في علم أصول الفقه في باب «التعارض والتراجيح».

Página desconocida