De la Creencia a la Revolución (3): La Justicia
من العقيدة إلى الثورة (٣): العدل
Géneros
وإن الرجوع إلى الطبع كمحل للصفات الذاتية للأفعال لا يعني إسقاطها على الطبيعة الخارجية وأنها وجود ذاتي خالص. فللصفات وجود موضوعي من طبيعة الإنسان. وطبيعة الإنسان ليست ذاتية فحسب، بل هي حقيقة الوجود. والصفات النفسية وإن كانت كذلك فإنها لا تنشأ من التكوين البدني للجسم والإثارة الحسية واختلال النسب في مكونات الدم وزيادة طراوة الدماغ، بل هي صفات شعورية تجاوز الوهم ولها استقلال موضوعي بحكم الفطرة والطبع والعقل والقيمة؛ إذ يتضمن الموقف الخلقي الباعث والحكم والواقعة الخاصة والنتيجة. وهذا كله لا يعني غياب صفة الموضوعية للفعل والبناء الموضوعي للواقعة الخلقية. وهو تعريف لا عقلي ليس له أي مقياس آخر شامل وعام. فالصفات النفسية ليست وهما أو خيالا وإنما هي قائمة على الترابط الشرطي وتداعي المعاني، وهي أيضا ماهيات مستقلة في الشعور. ويغفل قيما أخرى مثل التضحية والإيثار القائمة على قبول التكليف بأفعال تجر الآلام والمتاعب والمشاق والأوجاع عن رضا. فالاتفاق مع الغاية قد يسبب المضرة الوقتية، ومن هنا كانت ضرورة سلم القيم. قد يجعل هذا التعريف الإنسان يكفر إذا ما أدى الفعل الشرعي إلى عدم اتفاق مع الغرض. فالنافع والضار أحد أوجه الحسن والقبح، ولكنهما ليسا مساويين للحسن والقبيح. ولم يحدث استقرار كامل للعادات والقوانين حتى يمكن إصدار الأحكام العامة على الحسن والقبح والملاءمة والمنافرة. فقد تنقضها بعض الوقائع حتى ولو كانت واقعة جزئية واحدة. وماذا عن الحكمة الإلهية، وهي الغائية في الطبيعة، والعلم المسبق والإرادة المسبقة التي تشملهما الحكمة ويظهران في قوانين الطبيعة الثابتة، الحكمة التي تجعل الحسن والقبح أقل مباشرة وأبعد نظرا من الملاءمة والمنافرة للغرض؟ ويضع هذا التعريف الحسن والقبح متقابلين، ويثبت وجود كل منهما على المستوى نفسه، في حين أن القبح ليس ما يقابل الحسن. هذا تعريف بالضد، ولكن القبح أصلا لا وجود له؛ فالقبيح درجة من درجات الحسن أو هو غياب مؤقت للحسن أو هو وجهة نظر فردية خالصة قائمة على الهوى أو الغرض أو المصلحة. ليس القبيح أعم من الحسن، وليس الحسن أخص من القبيح؛ لأن الحسن هو الأساس والقبيح هو الاستثناء. والأخطر من ذلك هو نسبة الشر إلى غير مصدره مثل الدهر أو الفلك، وبالتالي اللحاق ببعض الجوانب الأسطورية في النظرية الكونية، مع أن الشر مصدره اجتماعي. يغفل التعريف الأوضاع الاجتماعية، وأن الحسن والقبح مشروطان بالاستعمال الاجتماعي وبالاتفاقات والمواضعات.
9
تنشأ القيمة في المجتمع، وتلقن في مناهج التربية، ومع ذلك تظل الصفات النفسية للأفعال وإن كانت مكتسبة من التجارب في نشأتها، وينقصها العموم، مستقلة بذاتها، يمكن للعقل إدراك عمومها وشمولها. إن الصفات الموضوعية للأشياء أو الذاتية للأفعال لا تأتي من التقليد أو التعصب أو الهوى أو التحزب أو التحيز، بل هي صفات تأتي من الغايات وتنبع من طبيعة الإنسان الأولى.
10
وقد يكون الهدف من النظرية الحسية توجيه وعي الناس نحو الحسن المباشر دون الذهاب إلى ما وراء ذلك من غايات بعيدة يدركها العقل وتتجاوز اللذة والألم والنفع والضرر كحاجات للبدن. (3) النظرية العقلية
وتمثل رد فعل طبيعي على النظريتين السابقتين الكونية الأسطورية، والحسية النفعية المباشرة، تجعل الحسن والقبح عقليين، إما تعبيرا عن الكمال والنقص النظري العام أو كأحكام للأفعال؛ فقد يكون الحسن والقبح تعبيرا عن صفتي الكمال والنقص. فالعلم حسن والجهل قبيح. ولا نزاع في أن العقل يدركه بصرف النظر عن الملاءمة والمنافرة والمدح والذم. فهي صفات حقيقية وليست إضافية، وبالتالي فهي كذلك عند جميع العقول ولا تختلف بالنسبة إلى الأشخاص على عكس الملاءمة والمنافرة التي تختلف بالنسبة للأفراد وبالنسبة إلى المدح والذم اللذين يختلفان بالنسبة إلى الشرائع. فكمال الطبيعة أو نقصها نتيجة للفعل الإنساني الإيجابي أو السلبي وليس كمالا أو نقصا مباشرا. والطبيعة الإنسانية قادرة على مثل هذا الكمال.
11
وهو تعريف أقرب إلى العقل ولكنه يظل عاما دون تفصيل في السلوك البشري وأنواع الأحكام للأفعال والتروك على حد سواء، كما أن الأحكام تنقصه، أحكام المدح والذم، أي قيمة الأفعال الذاتية في السلوك البشري.
لذلك تبدو النظرية العقلية أكثر أحكاما وتفصيلا في الأحكام الخمسة في علم أصول الفقه. وهنا تبدو وحدة علم الأصول. فالحسن والقبح وما يتعلق بهما من مدح وثواب. وينطبق على الأفعال الشرعية الخمسة: الواجب، والمندوب، والمباح، والمكروه، والحرام (المحظور). فالحسن هو الواجب والقبيح هو المحظور، وهما القطبان اللذان يشملان المدح والذم عند الفعل أو الترك؛ لذلك ركزت عليهما النظرية العقلية دون المندوب والمباح والمكروه باعتبارها فرعية. فالمندوب فرع على الواجب، والمكروه فرع على المحرم، والمباح هو فرع على نفس الأصل.
12
Página desconocida