De la Creencia a la Revolución (3): La Justicia
من العقيدة إلى الثورة (٣): العدل
Géneros
ويظل التذبذب قائما بين وضعها في خلق الأفعال وبالتالي تكون أقرب إلى حرية الإنسان وبين الحسن والقبح العقليين، فهي إذن أقرب إلى تنزيه الله عن فعل البشر. يدخل الموضوع عند الأشاعرة في الجبر والقدرة والاستطاعة، أي في التوحيد، ويدخل عند المعتزلة في الحسن والقبح، أي في العدل، نظرا لإنكار الأشاعرة الحسن والقبح العقليين، وبالتالي العدل كله كأصل مستقل. والحقيقة أن أفعال الشعور الداخلية أقرب إلى الحسن والقبح وتنزيه الله عن القبائح وباقي مسائل العدل مثل الصلاح واللطف. فمسألة التوفيق والخذلان والهداية والضلال والعون والتيسير والعصمة والطبع والختم كلها أفعال شعور داخلية، تجتمع فيها حرية الأفعال والحسن والقبح والصلاح واللطف. ولما كان الصلاح واللطف تعبيرا عن إرادة الله في الواجبات الإلهية، فإنها تكون أقرب إلى حرية الأفعال التي موضوعها تقابل الإرادتين الإلهية والإنسانية وفي الوقت نفسه رعاية الصلاح والإصلاح وإدراك الإنسان وإرادته الحرة. أما مسألة الاستثناء في الإيمان ومسائل الآجال والأرزاق والأسعار، فإنها أيضا بين خلق الأفعال وبين الحسن والقبح العقليين ورعاية الأصلح. وقد تدخل أفعال الشعور الداخلية في موضوع النظر والعمل، أي الأسماء والأحكام نظرا لأنه يتعرض للجانب النظري في العمل وهو الإيمان. ولكن الإيمان هنا ليس في علاقته بالعمل، بل في علاقته كفعل للإيمان وبخلق الأفعال بين الإرادة الإلهية والإرادة الإنسانية. ولما كان موضوع النظر والعمل من السمعيات، فإن البعض قد آثر اعتبار أفعال الشعور الداخلية أمورا زائدة لا تدخل ضمن العقليات، أي التوحيد والعدل، وأقرب إلى السمعيات وعلى أكثر تقدير نقطة انتقال من العقليات إلى السمعيات، حيث تندر فيها العقليات إلى أقل درجة وتكثر فيها السمعيات إلى أقصى درجة.
42 (3) بناء الموضوع
الموضوع هو خلق الأفعال. وهي التسمية القديمة التي تتسق مع نظرية الأفعال دفاعا عن إرادة الله المطلقة ضد إرادة الإنسان وحرية اختياره كوليد جديد يوأد في المهد (الأشاعرة). ولكن التسمية قد تعني أيضا خلق الأفعال من جانب الإنسان (المعتزلة) تأكيدا على حرية الإرادة. وقد استعمل المحدثون منا من مؤلفي الكتب المقررة تسمية الجبر والاختيار إما تحت أثر الغرب أو خضوعا للفكر الشائع. وهي تسمية تظهر الصراع بين وجهتي النظر واعتبار أن الكسب هو الحل الوسط بين الحلين المتعارضين ويجعلونه أقرب إلى الاختيار منه إلى الجبر لو كان المؤلف عاقلا أو إلى الجبر منه إلى الاختيار لو كان المؤلف تقليديا ناقلا.
والتعبير القديم «خلق الأفعال» تعبير محايد، لا يوحي بنقل القدماء ولا بتحديث المعاصرين، ولكن الخلاف في التفسير حول خلق من؟ يجعله البعض من جانب المؤله مثل كل شيء، ويجعله البعض الآخر من جانب الإنسان. وفي هذه الحالة يكون الإنسان صاحب أفعاله. أما تعبير «الجبر والاختيار» فهو مقابلة حديثة تضم لفظا قديما هو الجبر ولفظا حديثا هو الاختيار. ولكن الاختيار لا يعبر عن خلق الأفعال خاصة إذا تم بالطبع. كما أنه يوحي بفعل خارجي محض كأن الفعل يتم عن طريق مقارنة عقلية بين الدوافع وحسابات رياضية بينها ثم اختيار أحدها وكأن الحياة لا تختار بنفسها حسب الدافع الأقوى. ولما كانت «الحرية» لفظا معاصرا يعبر عن وجدان الأمة كما يعبر عن مضمون المشكلة القديمة، خلق الأفعال، أصبح الإنسان خالقا للأفعال يعني أن الإنسان حر. لم يصبح الموضوع «مشكلة الحرية» لأن الحرية ليست مشكلة بل هي أمر واقع وتجربة يشهد بها الوجدان وصريح العقل؛ حينئذ يصبح موضوع خلق الأفعال إثباتا للإنسان الحر. وعنوان خلق الأفعال مثير للذهن مثل حرية الأفعال. فالخلق يوحي بالإبداع والجدة والمسئولية، مثل الحرية تماما، بل إنه أكثر ميتافيزيقية نظرا لارتباط الحرية بأبعادها السياسية والاجتماعية. وهو لفظ أكثر أصالة مرتبط بالتراث وليس شائعا في ثقافتنا المعاصرة الناقلة عن الغرب. واستعمال لفظ الخلق بمعنى الحرية استرداد للمفهوم من الله إلى الإنسان واستعادة للحقوق الضائعة. كان يمكن إطلاق تعبير «الإنسان الفاعل» بعد «الإنسان الكامل» وقبل «الإنسان العاقل» إبقاء على وحدة التعبير وتجانسه، خاصة وأن الفعل لفظ قديم. ولكن خوفا من إمكان اللبس بين «الإنسان الفاعل» الذي يمارس حريته بطبعه «والإنسان العامل» الذي يحقق النظر في العمل وهو أحد موضوعات السمعيات،
43
بقي «خلق الأفعال» أنسب التسميات لأنه بالرغم من قدمه إلا أنه ليس به عيوب القديم.
44
أما «الإنسان الحر» فهو تعبير خطابي خارج عن منطق البرهان.
ويمكن تحديد بناء الموضوع تاريخيا أو نظريا أو وصفيا. فمن الناحية التاريخية بدأت النظريات حول الأفعال أولا بالجبر ثم حدث رد الفعل ثانيا بإثبات الاختيار وأن الإنسان خالق أفعاله. وأخيرا جاءت نظرية الكسب كمحاولة للتوفيق بين الجبر والاختيار.
45
Página desconocida