De la literatura de representación occidental
من أدب التمثيل الغربي
Géneros
وهنا يظهر رأي هذا السجين في أسرته وأخلاقها، ويظهر أنه عاجز كل العجز عن أن يستأنف الحياة المرة كما تعرض عليه، فهو لا يفهم أحدا، وليس من الأسرة أحد يستطيع أن يفهمه. على أن صديقه يأخذه باللين مرة وبالعنف مرة أخرى، يريد أن يرده عن رأيه هذا. وما يزال به حتى يجهده، فيظهر له أنه قد اقتنع، وأن نفسه قد انصرفت عن الموت، وأنه سيحيا وسيجتهد في موافقة الأسرة على ما تريد.
وينصرف عنه الطبيب بعد ذلك مسرورا لينبئ الأسرة بما سمع، ولكن السجين لا يكاد يخلو إلى نفسه حتى يتهيأ للموت، ويهم بالوثوب إلى الماء، لولا أن يدا قوية ترده عن ذلك ردا عنيفا، فإذا التفت رأى رفيقه في السجن قد أدركه قبل أن يتم ما أراد.
فإذا كان الفصل الثالث فقد قضى السجين ليلة طويلة شاقة، عاد إليه صديقه فما زال به حتى هدأ من حدته وأقنعه - أو ظن أنه أقنعه - باستئناف الحياة في شيء من الرضى.
ونحن في أول الفصل نرى الأسرة مبتهجة بهذا النبأ الذي ألقي إليها، فهي قد قبلت أن تحمي هذا الرجل البائس، وهذه زوج السجين تهيئ الطعام له ولرفيقه، وهذه الأسرة كلها تجتمع لتسمع من السجين نفسه استعداده لاستئناف الحياة ورضاه بما يعرض عليه. وهذا السجين قد أقبل عليهم متلطفا مترفقا، فأخذ يسمع منهم ويقول لهم ويحاورهم في كثير من التفصيلات، ولكن الحوار لا يكاد يتصل بينه وبين زعيم الأسرة حتى يفسد الأمر مرة أخرى، فليس إلى فهم هذا السجين لحياة الجماعة من سبيل. وكيف يفهم حياة هذه الجماعة أو يطمئن إليها وهو قد استكشف أن زعيم الأسرة آثم مجرم يعبث بأموال الناس، عبثا خليقا أن يدفعه إلى السجن كما دفع هو إلى السجن منذ خمسة عشر عاما؟ بل هو قد دفع إلى السجن في شيء لم يكن يراه إثما ولا إجراما، وإنما كان شيئا من الخطأ وسوء الحظ. وهو قد استكشف أيضا أن أباه شريك في إثم هذا الرجل وإجرامه، بل هو قد استكشف من ناحية أن هذه الفتاة لا تحب صاحبها، وإنما تدفع إلى الاقتران به دفعا لتستطيع أن تحيا حياة هادئة، واستكشف من ناحية أخرى أن الفتى لا يحبها وإنما يتزوجها لمال الأسرة ومكانها، وهو يعلن إليهم هذا كله في غضب عنيف فيستيئسون من نزوله عند ما يريدون. وها هم أولاء قد تفرقوا عنه يائسين، ولم يبق معه إلا زعيم الأسرة قد خلا إليه ليعلن إليه قراره الأخير، فهو يخيره بين الإذعان لما يراد منه أو مستشفى المجانين. وأي شيء أيسر من أن يستشار طبيب فيكتب الإذن بحبسه في هذا المستشفى؟! وهذا صديقه الطبيب الذي رأيناه في الفصل الماضي لا يرى في ذلك بأسا على أن لا يكتب هو هذا الإذن، فلا بد إذن للسجين من أن يختار، وهو لا يستطيع أن يختار ما يعرض عليه ولا يريد أن يذهب إلى المستشفى. وقد تلطف زعيم الأسرة آخر الأمر فأشار عليه بأن يذهب إلى دار من هذه الدور التي يستريح فيها المرضى فينفق فيها أشهرا، وهو لا يشك في أنه بعد هذه الراحة سينظر إلى الحياة والأحياء نظرة أخرى. وقد قبل السجين هذا الرأي الأخير، واطمأن زعيم الأسرة إلى هذا القبول، وانصرف عنه، وإذا هو يدعو رفيقه في السجن وينبئه بأن القوم لا يريدون بهما إلا شرا، وبأنهما إن دخلا هذه الدار فلن يخرجا منها آخر الدهر، فلا بد لهما إذن من الإفلات إن أرادا الحرية والحياة. وكيف السبيل إلى الإفلات من سفينة ليست بعيدة من الساحل، ولكنها ليست قريبة منه أيضا؟ لقد كان مخيرا بين الذل ومستشفى المجانين، فليحمل نفسه وليحمل صاحبه على التماس الحياة من طريق قد يلقيان فيها الموت. وانظر إليهما؛ إنهما ليتهيآن للوثوب إلى الماء؛ فإما أدركا الساحل فظفرا بالحياة الحرة، وإما أدركهما الغرق فماتا كريمين.
برسيفونيه
للكاتب الفرنسي أندريه جيد
كان الجو معتدلا، وكانت السماء صافية، وكان البحر هادئا، تكاد أمواجه تستقر فلا تصدر عنها حركة ما، وكان الساحل أرضا منبسطة لولا تلال صغار قد نتأت فيها نتوءا، وكان العشب الأخضر قد كساها من جماله الوديع الحلو ثوبا يروق العيون، وكانت شجرات ضخام قد قامت على رءوس التلال، وارتفعت في الجو كأنما تريد أن تبلغ السماء، ومدت أغصانها في كل ناحية فأظلت هذا المكان الهادئ الجميل، وكان النسيم يضطرب بين هذا كله والضوء الرفيق الرقيق يترقرق في هذا الجو المريح، فكانت الينابيع ترسل مياهها العذبة هادئة تنساب على العشب كأنها الحيات.
وكانت الفتاة برسيفونيه بنت الإلهة ديمتير تلعب مع أتراب لها من بنات الآلهة في هذه الروضة الرائعة التي يلائم جمالها ما يمتاز به العذارى من براءة النفوس وصفاء الضمائر وطهر القلوب.
وكانت عن يسار هذه الروضة الجميلة صخور ترتفع غير شاهقة، ولكنها تخيف من يدنو منها بعض الشيء. وكان العذارى يشفقن من هذه الصخور، ويكرهن أن يسعين إليها أو يقربن منها. وإنهن لفيما تعودن أن يأتين من اللعب والمرح ذات يوم يستبقن حينا ويسترحن حينا آخر ويرسلن أصواتهن الحلوة بالأغاني العذاب من حين إلى حين، إذا شخص مروع مخيف قد انفرجت عنه الصخور، فأقبل يسعى، ونفرت الفتيات مجفلات إلى برسيفونيه، فقد ثبتت له، لا آمنة شره ولا منتظرة قربه، ولكن مذعنة لهذا القضاء القاسي الصارم العنيف، الذي كان يبسط سلطانه على الناس وعلى الأشياء وعلى الآلهة أيضا. فلما بلغ هذا الشخص المخيف مكان الفتاة برسيفونيه مد ذراعيه القويتين فاحتمل الفتاة، وعاد أدراجه والتأمت الصخور واستقرت حياة الروضة كأن لم يحدث فيها شيء. وثاب الفتيات مشفقات فنظرن فلم يرين صاحبتهن، ولم يرين ذلك الشخص المخيف، فانبعثت أصواتهن الحلوة لا بالغناء العذب ولكن بالصياح والعويل.
وأقبلت ديمتير إلهة الأرض والنبت والثمر على هذه الأصوات المرتاعة الملتاعة، فلما لم تر ابنتها لم تسأل عن شيء، ولم ترد أن تعلم شيئا؛ لأنها فطنت لكل شيء، واستيقنت أن أديس إله الحجيم قد خرج من دار الظلمة والموت، فاختطف ابنتها ليتخذها له زوجا في دار الظلمة والموت.
Página desconocida