De la literatura de representación occidental
من أدب التمثيل الغربي
Géneros
وهذا الفن الجديد هو نوع من التعاون الدقيق المنظم بين الأدب والموسيقى والغناء والرقص، وفن الإخراج وفن التصوير، وفنون أخرى مختلفة يعتمد عليها الممثلون واللاعبون، حين يريدون إلى تلهية النظارة وإحداث الآثار المختلفة في نفوسهم. وأنا أذكر الأدب عامة ولا أذكر الشعر، ف «بول فاليري» لا يقصر عنايته في الفن على أحد هذين النوعين من الكلام، وإنما هو يعبر عما يريد شعرا تارة، ونثرا تارة أخرى، ولكنه يحتفظ دائما بالانسجام والتنسيق الدقيق ليلائم بين كلامه وبين الموسيقى والرقص والغناء.
وقد تحدث بول فاليري عن هذا النحو من الفن إلى الموسيقي الفرنسي العظيم كلود ديبوسي
Claude Debussy ، ولكنه لم يستطع أن يحقق الصورة التي تخيلها إلا في هذه الأعوام الأخيرة حين وجد اثنين أعاناه على تحقيقها، وهما آيدا روبنشتاين
Ida Rubinstein
الراقصة البارعة وهوندجيير
Honegyer
الموسيقي المشهور. فأما أولاهما فقد اتخذت لنفسها في هاتين القصتين مكان البطل الذي تدور القصة حوله، فمثلت في القصة الأولى آنفيون، ومثلت في القصة الثانية سميراميس. وأما الآخر فقد وضع الموسيقى للقصتين جميعا. ثم يشترك معهما أو معهم جماعة من أصحاب الفن البارزين؛ هذا يعنى بالإخراج وهذا يعنى بالصور، وهذا يعنى بتنظيم الرقص ... إلى آخر ما يحتاج إليه هذا الفن المعقد من ألوان المعونة على اختلافها وتفاوتها.
والظاهر أن هذه المحاولة قد نجحت، وأعجبت الباريسيين، وأرضت بول فاليري نفسه، إلى حد ما، فهو قد أعلن اغتباطه بعد تمثيل القصة الأولى، وإن كان يحتاط في إعلان هذا الاغتباط بعد تمثيل القصة الثانية، كأنه يطمح إلى نوع من الكمال أرفع مما انتهى إليه. ومهما يكن من شيء فالنقاد الرسميون - إن صح هذا التعبير - مجمعون على الثناء والحمد. والنقاد المحدثون، والنقاد الشبان يختلفون في ذلك اختلافا كثيرا. ومهما يكن من شيء أيضا، فقد انتقلت عدوى هذا الفن من بول فاليري إلى الكاتب الفرنسي المشهور أندريه جيد، فأخرج للناس في هذا العام قصة بريسفون أعانته على تمثيلها آيدا روبنشتاين نفسها، ووضع لها الموسيقى سترانفسكي، واختلف الناس في قيمتها وفي قيمة الفن الذي عرضت به في الأوبرا، كما اختلفوا في قصة بول فاليري. وأخص ما يمتاز به هذا الفن أن الشاعر أو الكاتب لا يقول كثيرا، ولكنه يتخيل ويرسل خياله حرا ويتصور القصة كأنه يريد أن يكتبها شعرا أو نثرا ثم لا يكتب، وإنما يعين الحركات التي يجب أن يأتيها الممثلون والراقصون والمغنون، ويخلق الجو الذي يجب أن تضطرب فيه هذه الحركات، ويصور هذا كله تصويرا دقيقا كأنه يلقي درسا على الطلاب، ثم لا يتكلم أو لا ينشئ الشعر والنثر إلا حين لا يكون له من ذلك بد.
فهو يخلق حركة وحوادث وجوا، ثم يجري بين هذا كله كلمات تطول حينا ولكنها لا تسرف في الطول، وتقصر حينا وقد تسرف في القصر، وهو بهذا النوع الجديد يستطيع أن يؤثر في جميع الملكات التي تتأثر بفنون التمثيل دون أن يميز منها واحدة أو يقدمها على الملكات الأخرى. فهو لا يعتمد على الكلام فيؤثر هذه الملكة التي تعجب بجمال الشعر أو بجمال النثر، وهو لا يعتمد على الغناء أو على الموسيقى أو على الرقص أو على جمال المناظر، وإنما يقسم عنايته بالقسط بين هذه الأنحاء الفنية كلها، فيخلق حول النظارة جوا كله جمال يأخذهم من جميع نواحيهم. وربما كان هذا النوع من الفن هو الشعر بأدق معانيه في نفس بول فاليري، فالشعر عنده قبل كل شيء صور تؤثر في النفس من ناحية، وفكرة تعطي لهذه الصور حياة من ناحية أخرى. ولكنه مع ذلك لا يسمي هذا الفن تمثيلا، بل لا يريد أن يسميه فنا، وإنما يسميه محاولة فنية. وهو يقول لبعض من حدثه في هاتين القصتين إنه لا يستطيع أن يسمي هذا أدبا ولا فنا؛ لأنه لم يصل بعد إلى أن يوجد الصورة المتحدة ذات الأجزاء المؤتلفة التي يصب فيها كل هذه الخواطر والآراء والصور والخيالات التي ينثرها في الملعب نثرا. ولعله إن مضى في هذه المحاولة أن يصل في يوم من الأيام إلى تحقيق هذه الصورة التي يطمح إليها. ولا بد على كل حال من أن نسجل أنه لا يرى هذا النوع إنشاء فنيا أو أدبيا، بل هو أقرب إلى أن يراه لعبا حلوا ملهيا.
ومع ذلك فالذين يقرءون ما ألقاه بول فاليري من الخواطر والآراء ليكون به هذه القصة الغنائية، يجدون فيها الشعر كأجمل ما يكون الشعر، ويجدون فيها الفلسفة كأصدق ما تكون الفلسفة، ولعلك لم تنس أن بول فاليري لا يستطيع أن يتصور الشعر خلوا من الفلسفة.
Página desconocida