قال أبو علي حنبل: وكان أول من حمل للمحنة هؤلاء السبعة، جاء كتاب المأمون في أمرهم أن يحملوا إليه ولم يمتحنوا ههنا، وإنما أخرجهم إليه فأجابوه بالرق، وكانوا: يحيى بن معين، وأبو خيثمة زهير بن حرب، وأحمد ابن إبراهيم الدورقي، وإسماعيل الجوزي، ومحمد بن سعد كاتب الواقدي، وأبو مسلم عبد الرحمن بن يونس المستملي، وابن أبي مسعود. فحضرتهم حين أخرجوا إلى الرقة في الخان بباب الأنبار، فأخرجوا جميعا فأجابوا وأطلقوا، قال: ثم ورد كتاب المأمون إلى إسحاق بن إبراهيم يأمره بإحضار أبي عبد الله أحمد بن حنبل، وعبيد الله بن عمر القواريري، والحسن بن حماد سجادة، ومحمد بن نوح بن ميمون، وأن يمتحنهم، فوجه إليهم إسحاق، فأخذهم وأنا بالكوفة عند أبي نعيم، فقدمت بعد ذلك فأخبرني أبي بعد قدومي أن أبا عبد الله أتاه صاحب الريع وقت غروب الشمس فذهب به، قال أبي: فذهبت معه فقال: إذا كان غدا فاحضر دار الأمير، قال أبي: فقلت لأبي عبد الله: لو تواريت، فقال: كيف أتوارى؟ إن تواريت لم آمن عليك وعلى ولدي وولدك، ويلقى الناس بسببي المكروه، ولكني أنظر ما يكون، فلما كان من الغد حضر أبو عبد الله والمسمون معه فأدخلوا إلى إسحاق فامتحنهم، فأبى أبو عبد الله والقوم أن يجيبوا جميعا، فسمعت أبا عبد الله يقول بعد ما أخرج من الحبس: لما أدخلنا على إسحاق بن إبراهيم قرأ علينا كتاب الرجل -يعني المأمون- الكتاب الذي كتب به إلى إسحاق تسمية رجل رجل بنسبه وبلقبه، وكان فيه: أما أحمد فذاك الصبي، وأما ابن نوح فماله ولهذا؟!، عليه بالغيبة، وأما فلان فالآكل أموال اليتامى، وأما فلان فكذا، وفلان فكذا، يسمي رجلا رجلا. قال أبو عبيد الله: وكان في الكتاب: اقرأ عليهم: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} قال عبد الله: فلما قرأ: {ليس كمثله شيء}، قلت: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} فقال إسحاق: ما أردت بهذا؟ فقلت: كتاب الله عز وجل، ولم أزد في كتابه شيئا كما قال ووصف تبارك وتعالى. ثم امتحن القوم، فمن لم يجبه وامتنع عليه أمر بحبسه وتقييده، فلما كان بعد ذلك دعا بالقواريري وسجادة، فأجابا وخلى عنهما، وكان أبو عبد الله بعد ذلك يعذر القواريري وسجادة، يقول: قد أعذرا وحبسا وقيدا، وقال الله عز وجل: {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان} ثم قال: القيد كره والحبس كره.
أخبرنا أبو سعيد محمد بن أبي محمد بن أبي نصر الأصبهاني المعروف بآموسان الواعظ بأصبهان، أخبرنا أبو نهشل عبد الصمد بن أحمد بن الفضل ابن أحمد العنبري، أخبرنا أبو القاسم علي بن أحمد بن مهران، حدثنا أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن منده الحافظ، أخبرنا أبو مسلم محمد بن إسماعيل بن أحمد المديني، حدثنا صالح بن أحمد، قال: سمعت أبي رحمه الله يقول: لما أدخلنا على إسحاق بن إبراهيم للمحنة، قرئ علينا كتاب الذي كان صار إلى طرسوس، فكان فيما قرئ علينا: ليس كمثله شيء، وهو خالق كل شيء، فقلت: وهو السميع البصير، فقال بعض من حضر: سله ما أراد بقوله: وهو السميع؟ فقال أبي: فقلت: هو كما قال تبارك وتعالى.
Página 29