149

الوجه الخامس: أن الدواعي والمرجحات من قبيل الاعتقادات والظنون التي لا تأثير لها في الإيجاب، فثبت أن القول بالمرجح لا يستلزم الجبر. فإن قيل: فما تقولون فيما قاله أبو الحسين وغيره حيث قال الداعي موجب، فإن هذا تصريح بمذهب المجبرة، ولذا قال (الرازي): إن (أبا الحسين) يقول بالجبر إلا أنه يتستر من أصحابه، ومثله قول أبي القاسم البلخي: أن من دعاه الداعي إلى الفعل لا بد أن يفعله، وقول الجاحظ: إذا قوي الداعي وقع الفعل بالطبع، وإن تكافأ هو والصارف وقع بالاختيار.

قيل: أما (أبو الحسين) فلم يقصد إلا ما قصده غيره من علماء العدل، وهو أنه إذا توفرت الدواعي، وانتفت الصوارف وجب الفعل عندها، وجوب استمراري عادي لا وجوب تأثير، ومثلوا ذلك بمن حضره طعام شهي وهو شديد الجوع ولا صارف عنه، فإنه إن لم يأكل لم يحكم بقدرته أو كمال عقله، وإنما ألزمه الرازي الجبر لغلطه في فهم مقصده؛ لأنه ظن أنه أراد وجوبا كوجوب المعلول عن العلة.

وأما (أبو القاسم) فقال (الإمام المهدي) عليه السلام : الأقرب أن مقصده كمقصد سائر المعتزلة من أن المراد بالوجوب وجوب استمرار لا بمعنى أنه يستحيل خلافه ، قلت: وكذلك كلام الجاحظ فإنه يمكن حمله على هذا.

Página 149