فمجموع ذلك؛ ومعراج النبي صلى الله عليه وسلم من سماء إلى سماء إلى أن أوحى إليه ما أوحى: دلائل قطعية؛ وعلوم ضرورية بأن ربنا سبحانه فوق عرشه؛ وفوق سبع سماواته؛ وفوق الأشياء كلها، متنزه عن الدخول في خلقه، ووجوده سبحانه بائن عن وجود خلقه، منفرد بنفسه وبجميع صفاته عن خلقه، وفوقيته سبحانه فوقية مختصة به؛ لا كفوقية الجسم المخلوق على الجسم المخلوق المحصور المحدود - تعالى الله عن ذلك -، فإن العرش المجيد لا يقله ولا يحيط به، وهو الحامل للعرش المحيط به، فعلوه وفوقيته واستواؤه مختصة به؛ صفات تليق به، منزه عن صفات الحدث، كما أن سمعه العظيم منزه عن سمع المخلوق، وبصره العظيم منزه أن يكون كبصر المخلوق، وعلمه الكريم منزه عن أن يكون كعلم المخلوق.
فكذلك علوه واستواؤه منزه أن يكون كعلو المخلوق واستوائه، فافهم ذلك وأثبت الصفة ونزه الموصوف عن صفات الحدث.
وقوله تعالى : (أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض) . أي : من على السماء، كما قال تعالى : (فسيحوا في الأرض) . أي : على الأرض وقوله : (ولأصلبنكم في جذوع النخل) . أي : على جذوع النخل فهذه مسألة العرش، فافهمها وحققها: تفز بالكنز الأكبر؛ والسر العظيم.
Página 56