Minarete de la mezquita blanca en Ramla
مئذنة الجامع الأبيض في الرملة
Géneros
مقدمة
مئذنة الجامع الأبيض في الرملة
الرقم التاريخية في مدينة الرملة
مقدمة
مئذنة الجامع الأبيض في الرملة
الرقم التاريخية في مدينة الرملة
مئذنة الجامع الأبيض في الرملة
مئذنة الجامع الأبيض في الرملة
تأليف
عبد الله مخلص
Página desconocida
مقدمة
أنشأت هذه المقالة - أو قل: جمعتها ولففتها - صيف سنة 1342ه/1923م في بيت المقدس عندما كنت محاسبا عاما في المجلس الإسلامي الأعلى إثر اتفاق كاد يتم بين إدارة الأوقاف الإسلامية وبين دار الآثار الفلسطينية على رم مئذنة الجامع الأبيض في الرملة؛ لادعاء الثانية أنها من الأبراج التي خلفها الصليبيون في الأرض المقدسة؛ فهي من هذه الناحية من الآثار القديمة التي ترى الحكومة من واجبها العناية بعمارتها والقيام على محافظتها؛ وذلك لجهل إدارة الأوقاف حقيقة هذه المئذنة الإسلامية البديعة الصنع، وإهمالها الاحتفاظ بها وبجامعها الأبيض الذي أصبح من الطلول الدوارس.
بيد أن دار الآثار لما اعتقدت فساد ظنها بعد ما علمته من أمر المئذنة تخلت عن الاشتراك بالعمارة، فتولتها إدارة الأوقاف بنفسها وأصلحت منها ما أفسدته أيدي الحدثان.
وقد كنت دعيت لإلقاء هذا البحث بشكل محاضرة في الجمعية الفلسطينية الشرقية في بيت المقدس
The Palestine Oriental Society ، وأعلنت ذلك في قائمة اجتماعها العشريني الذي عقدته في 9 ربيع الثاني 1343ه و6 تشرين الثاني «نوفمبر» 1924، إلا أن اضطراري لمغادرة بيت المقدس إلى حيفا قبل الأجل المضروب حال دون ذلك، واكتفت الجمعية بالتنويه بالمبحث وتلخيصه بكلمات قليلة ألقاها أحد أعضائها.
ولا بد أن تستوقف تسميتنا مسجد الرملة بالجامع الأبيض بعض القراء من العلماء؛ لأن هذه التسمية لم تكن جارية في صدر الإسلام، بل كانوا إذ ذاك يقتصرون على اسم المسجد، ثم صاروا بعده يقولون للمسجد الذي تقام فيه صلوات الجماعة مسجد الجامع والمسجد الجامع، أي مسجد اليوم الجامع والظاهر، ثم إنهم أخذوا بالاختصار، فصاروا يطلقون اسم الجامع على المسجد كما رأيناه في رواية المقدسي عن الجامع الأبيض وجامع دمشق وغيرهما. ولا تزال العامة تتبع هذه التسمية، إلا أن الفصيح هو المسجد، والمسجد على ما حرره علماء اللغة هو بيت الصلاة؛ بنوه على السجود لله تعالى بهيئة مخصوصة، والسجود لغة الخضوع والتطامن والذل، ويقال للانتصاب في لغة طيء سجودا، وسجد البعير خفض رأسه عند ركوبه، وسجد الرجل وضع جبهته بالأرض، وقد استشهد الجوهري صاحب كتاب «تاج اللغة وصحاح العربية» على أن السجود هو الخضوع ببيت لزيد الخيل يصف جيشا:
بجمع تضل البلق في حجراته
ترى الأكم فيها سجدا للحوافر
وآخر لحميد بن ثور يصف النساء:
فضول أزمتها أسجدت
Página desconocida
سجود النصارى لأربابها
وقد تناولت في بحثي هذا وصف المدينة والمسجد ثم المئذنة، وعززته بأقوال المؤرخين والجغرافيين، وألحقته بنسخ الكتابات الأثرية الباقية على وجه الدهر فيها، والأشعار التي ورد فيها ذكر الرملة، والله المستعان.
عبد الله مخلص
عضو المجمع العلمي العربي
مئذنة الجامع الأبيض في الرملة
تعمل إدارة الأوقاف الإسلامية بالاشتراك مع إدارة الآثار والعاديات في فلسطين على رم مئذنة الجامع الأبيض التي استرمت خيفة سقوطها واندثار هذا الأثر الرائع الذي يخيل للناظر إليه أنه نصب تاريخي أقيم على مر الليالي والأيام؛ ليشهد للمهندسين الإسلاميين بسلامة الذوق وطول الباع في الإبداع والتفنن.
إن هذه المئذنة هي البقية الباقية التي لم تنل يد الزمان منها منالا في الرملة البيضاء مدينة فلسطين ذات التاريخ المجيد، فأحببنا أن نأتي على شيء من تاريخها ووصف جامعها، ثم وصف مئذنته البديعة فنقول: (1) الرملة قبل الحروب الصليبية
أول من جاء على ذكر الرملة من المؤرخين والجغرافيين الإسلاميين أحمد بن أبي يعقوب بن واضح المعروف باليعقوبي المتوفى بعد سنة 278ه/981م، فقد قال في كتاب «البلدان»
1
ما يأتي: «ومدينة فلسطين القديمة كانت مدينة يقال لها: «لد». فلما ولي سليمان بن عبد الملك الخلافة
Página desconocida
2
ابتنى مدينة الرملة، وخرب مدينة لد، ونقل أهل لد إلى الرملة، وهي مدينة فلسطين، ولها نهر صغير منه شرب أهلها ونهر أبي فطرس منها على اثني عشر ميلا، وشرب أهل الرملة من ماء الآبار ومن صهاريج يجري فيها ماء المطر، وأهل المدينة أخلاط من الناس من العرب والعجم وذمتها سامرة.» ا.ه.
وقال أحمد بن يحيى بن جابر بن داود البغدادي الكاتب المشهور بالبلاذري المتوفى سنة 279ه/892م في كتابه «فتوح البلدان»
3
ما يلي: «ولى الوليد بن عبد الملك
4
سليمان بن عبد الملك جند فلسطين، فنزل لدا ثم أحدث مدينة الرملة، ومصرها، وكان أول ما بنى فيها قصره،
5
والدار التي تعرف بدار الصباغين، وجعل في الدار صهريجا متوسطا لها، ولما بنى سليمان لنفسه أذن للناس في البناء فبنوا، واحتفر لأهل الرملة قناتهم التي تدعى يردة
6
Página desconocida
وولى النفقة على بنائها بالرملة ومسجد الجماعة كاتبا له نصرانيا من أهل لد يقال له البطريق بن النكا، ولم تكن مدينة الرملة قبل سليمان وكان موضعها رملة.
قالوا: وقد صارت دار الصباغين لورثة صالح بن علي بن عبد الله بن العباس؛ لأنها قبضت مع أموال بني أمية.
قالوا: وكان بنو أمية ينفقون على آبار الرملة وقناتها بعد سليمان بن عبد الملك، فلما استخلف بنو العباس أنفقوا عليها، وكان الأمر في تلك النفقة يخرج في كل سنة من خليفة بعد خليفة، فلما استخلف أمير المؤمنين أبو إسحاق المعتصم بالله
7
أسجل بتلك النفقة سجلا، فانقطع الاستئمار وصارت جارية يحتسب بها العمال فيحسب لهم.» ا.ه.
وذكر مؤلف كتاب «العيون والحدائق في أخبار الحقائق» في الجزء الثالث أن سليمان بن عبد الملك بدأ ببناء الرملة سنة 98ه/716م،
8
ثم جاء أبو عبد الله محمد بن البشاري المعروف بالمقدسي الذي أتم كتابه المسمى «أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم» سنة 375ه/985م.
فوصفها وصفا مسهبا ننقله بنصه:
9 «الرملة قصبة فلسطين، بهية حسنة البناء خفيفة الماء مرية، واسعة الفواكه جامعة الأضداد بين رساتيق جليلة ومدن سرية، ومشاهد فاضلة وقرى نفيسة، والتجارة بها مفيدة والمعايش حسنة، ليس في الإسلام أبهى من جامعها، ولا أحسن وأطيب من حواريها، ولا أبرك من كوارتها، ولا ألذ من فواكهها، موضوعة بين رساتيق زكية، ومدن محيطة، ورباعات فاضلة ذات فنادق رشيقة، وحمامات أنيقة، وأطعمة نظيفة، وإدامات كثيرة، ومنازل فسيحة، ومساجد حسنة وشوارع واسعة، وأمور جامعة، قد خطت في السهل، وقربت من الجبل والبحر، وجمعت التين والنخل، وأنبتت الزروع على البعل، وحوت الخيرات والفضل، غير أنها في الشتاء جزيرة من الوحل، وفي الصيف ذريرة من الرمل، لا ماء يجري فيها ولا خضر، ولا طين جيد ولا ثلج، كثيرة البراغيث عميقة الآبار مالحة، وماء المطر في جباب مقفلة، فالفقير عطشان، والغريب حيران، وفي الحمام ديوان، ويدور في الدولاب خدام، وهي ميل راجح في ميل بنيانهم حجارة منحوتة حسنة وطوب، الذي أعرف من دروبها: درب بئر العسكر،
Página desconocida
10
درب مسجد عنابة،
11
درب بيت المقدس، درب بلعين،
12
درب لد،
13
درب يافا،
14
درب مصر،
Página desconocida
15
درب داجون،
16
يتصل بها مدينة تسمى داجون فيها جامع.» ا.ه.
ولم يقتصر المقدسي على هذا الوصف الحافل، بل نوه بها، وأشاد بذكرها كلما لاحت له لائحة أو سنحت سانحة مثل قوله: واشتهرت الرملة بتينها الدمشقي وهو غاية في الجودة.
17
وقوله: والرملة لذيذة الثمار.
18 «لو كان للرملة ماء جار لما استثنينا أنها أطيب بلد في الإسلام؛ لأنها ظريفة خفيفة بين قدس وثغور وغور وبحور، معتدلة الهواء لذيذة الماء سرية الأهل، غير أن فيهم جهلا، خزانة مصر ومطرح البحرين، رخية.»
19
وقوله: وبالشام الرملة البهية وخبزها الحواري.
Página desconocida
20
وقوله: وميازر الرملة وحواريها لا نظير لهما.
21
وقوله: وماء الرملة مري.
22
وقوله: وجلت قرى الرملة بلا نهر بزيتون وأتيان.
23
وقوله: وعند كل من لم يدخل الرملة أنه ليس في الدنيا مثل خبز مرو بتركستان، ولكن لا نظير له في بلاد الأعاجم.
24
وقوله:
Página desconocida
25
ولا جلة البزازين بالرملة حمر «مصرية بسروج».
إلى غير ذلك من الأقوال التي تنم على أن للمؤلف صلة بالرملة غير الصلة الأدبية، فوصفه لها وافتتانه بكل ما تحويه من جماد ونبات يدلان على أنه ممن أنجب هذا البلد الطيب، ولسوء الحظ أن كتب التراجم التي بين أيدينا لم تأت على ترجمته لنتحقق ذلك.
ولا يعارض ذلك قوله في كتابه أنه أقام في بيت المقدس من السنين ما عدته كذا، بل هذا يؤيد أنه أتى إليها، وأقام فيها، ولعله كان يطلب العلم في مدارسها.
وقد تبسطت الرملة في الحضارة، واستجرت في العمران حتى عدت من المدن الجليلة،
26
والأمصار الكبرى، وكانت من كور الشام ،
27
وكان يتبعها بيت المقدس، وبيت جبرين وغزة وعسقلان ويافا وأرسوف وقيسارية ونابلس وأريحا وعمان، وهي أمهات فلسطين في القرن الرابع،
28
Página desconocida
وكانت يافا فرضتها وإليها ينفر أهل الرملة.
29
وذكرها بعد المقدسي ناصر خسرو القبادياني المروزي الفارسي في رحلته التي قام بها في بلاد الشام في أواسط القرن الخامس للهجرة والقرن الحادي عشر للميلاد، حيث بدأ فيها سنة 427ه/1035م وانتهى منها سنة 434ه/1042م، فقال في كتاب رحلته الذي أسماه سفرنامه:
30 «والرملة مدينة عظمى يحيط بها سور عال متين عمل من الحجر والملاط، وهي على ثلاثة فراسخ من البحر، وشرب أهلها من مياه الأمطار يجمعونه في كل موسم في حوض، وعندهم منه ما يحتاجون إليه على الدوام، وفي وسط الجامع الكبير صهاريج واسعة إذا ملئت يستطيع الإنسان أن يستقي منها بحسب حاجته، ومساحة الجامع الأعظم ثلاثمائة قدم في مائتين، وقد نقش في أعلى الصفة أن الأرض زلزلت زلزالا عظيما يوم 15 المحرم سنة 425ه/11 كانون أول سنة 1033م فهدمت عدة أبنية، ولم يجرح أحد من السكان.
والرخام كثير جدا في الرملة، وجدران معظم الأبنية والدور مغشاة بصفائح من الرخام مرصعة بإتقان، ومغشاة بنقوش ورسوم، ويقطع الرخام بمنشار لا أسنان له وبرمل تلك البلاد وبالمنشار تقطع قطع من الرخام بقدر طول السواري والعمد، كما تقطع الدفوف من شجرة إلا من حيث العرض.
ولقد رأيت في الرملة رخاما من كل جنس ومنه المجزع «المبقع» والأخضر والأحمر والأسود والأبيض وبالجملة من مختلف الألوان، وفي الرملة يخرج نوع من التين اللذيذ، ولا يوجد مثله في بلد آخر ومنها تحمل إلى سائر البلدان، وتعرف هذه المدينة في الشام والمغرب باسم فلسطين.»
وذكرها محمود بن عمر بن محمد الزمخشري المتوفى سنة 538ه/1143م بقوله الموجز:
31 «الرملة مدينة من مدائن الشام.»
وقال عنها عبد الكريم بن أبي بكر التميمي السمعاني المتوفى سنة 562ه/1166م:
32 «الرملة قصبة فلسطين كان بها جماعة من العلماء والصلحاء، وكان بها الرباط للمسلمين ، وكان يسكنها جماعة من العلماء الصالحين للمرابطة فيها، وذكر فيمن ذكره من المنتسبين إلى الرملة يحيى بن عيسى بن عبد الرحمن الرملي قال إن أصله من الكوفة، وإنما قام بالرملة يجهز الزيت إلى الكوفة وإلى غيرها.» (2) الزيوت الفلسطينية وتصديرها إلى العراق
Página desconocida
قلنا وهذا يدلنا على وفرة محاصيل الزيت في فلسطين عامة والرملة خاصة، وأن فلسطين كانت تمون بلاد العراق بزيوتها النقية الجيدة الطعم، بينا كانت وسائط النقل مقتصرة على الخيل والجمال والبغال. (3) القبائل العربية في الرملة وما إليها
ومع أن اليعقوبي يقول بأن أهلها أخلاط من العرب والعجم، كما مر بك، فإن أبا محمد الحسن بن أحمد بن يعقوب بن يوسف بن داود الهمذاني المعروف بابن الحائك المتوفى سنة 334ه/945م يقول في كتابه «صفة جزيرة العرب»:
33
إن ما حول الرملة إلى نابلس كانت مساكن لخم
34
وما يخالطها من كنانة،
35
كما أن بين الرملة ومصر في الجفار
36
كانت مساكنهم.
Página desconocida
37
وكانت ملتقى الطرق بين مصر والشام والبادية كما ذكره أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله بن خرداذبة المتوفى في أواسط القرن الثالث للهجرة والتاسع للميلاد في كتابه «المسالك والممالك»،
38
واليعقوبي في كتابه «البلدان»،
39
وأبو الفرج قدامة بن جعفر الكاتب البغدادي المتوفى سنة 310ه/922م في كتابه «الخراج وصنعة الكتابة»،
40
والمقدسي في «أحسن التقاسيم».
41 (4) الرملة بعد الحروب الصليبية
هذه حالة الرملة في عهد حضارتها، أما بعد ذلك فيقول عنها شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي الرومي البغدادي المتوفى سنة 626ه/1228م في كتابه معجم البلدان ما نقتطفه:
Página desconocida
42 «الرملة مدينة عظيمة بفلسطين، وكانت قصبتها قد خربت الآن، وكانت رباطا للمسلمين وبينها وبين البيت المقدس ثمانية عشر ميلا وهي كورة من فلسطين، «وكانت دار ملك داود وسليمان ورحبعام بن سليمان»،
43
وذكر البشاري:
44 «أن السبب في عمارة سليمان بن عبد الملك للرملة أنه كان له كاتب يقال له ابن بطريق سأل أهل لد جارا كان للكنيسة أن يعطوه إياه ويبني فيه منزلا له فأبوا عليه، فقال: والله لأخربنها، يعني الكنيسة »، ثم قال لسليمان:
45 «إن أمير المؤمنين - يعني عبد الملك - بنى في مسجد بيت المقدس على هذه الصخرة قبة فعرف له ذلك، وإن الوليد بنى مسجد دمشق فعرف له ذلك، فلو بنيت مسجدا ومدينة، ونقلت الناس إلى المدينة. فبنى مدينة الرملة ومسجدها وكان ذلك خراب لد.» وشرب أهل الرملة من الآبار الملحة، والمترفون لهم بها صهاريج مقفلة، وكانت أكثر البلاد صهاريج مع كثرة الفواكه وصحة الهواء واستنقذها صلاح الدين يوسف بن أيوب في سنة 583ه/1187م من الإفرنج
46
وخربها؛ خوفا من استيلاء الإفرنج عليها مرة أخرى في سنة 587ه/1191م وبقيت على ذلك الخراب إلى الآن.»
وذكرها ياقوت المذكور في كتابه «المشترك وضعا والمفترق صقعا»
47
بما يقارب وصفه لها في «معجم البلدان» إلا أنه زاد على سبب تخريبها بقوله: «ثم كثر الفرنج وأخذوا عكا؛ فخاف أن يرجعوا فيتغلبوا عليها فخربها في سنة 587 وخرب عسقلان، وهما على الخراب إلى الآن، إلا أن بالرملة قوما من الإفرنج وهي بأيديهم إلى الآن.»
Página desconocida
وذكرها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي طالب الأنصاري الصوفي الدمشقي المعروف بشيخ الربوة المتوفى سنة 727ه/1326م في كتابه
48 «نخبة الدهر في عجائب البر والبحر» بقوله: «الرملة بناها سليمان بن عبد الملك بن مروان، وجعلها القصبة، ثم توالت عليها الزلازل، فانتقل منها أهلها إلى بيت المقدس، ثم بنيت بعدها مدينة لد على أثر بنائها القديم.»
وذكرها أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم اللواتي ثم الطنحي المعروف بابن بطوطة
49
المتوفى سنة 779ه/1377م بقوله: «ثم سافرت منها إلى مدينة الرملة؛ وهي فلسطين، مدينة كبيرة كثيرة الخيرات، حسنة الأسواق، وبها الجامع الأبيض، ويقال: إن في قبلته ثلاثمائة من الأنبياء مدفونين عليهم السلام.»
وذكرها شهاب الدين أبو العباس أحمد القلقشندي المتوفى سنة 821ه/1418م في كتابه «صبح الأعشى في صناعة الإنشا»
50
بقوله: «هي مدينة إسلامية بناها سليمان بن عبد الملك في خلافة أبيه عبد الملك.»
قال في «الروض المعطار»: «وسميت الرملة؛ لغلبة الرمل عليها.»
وقال في «مسالك الأمصار»: «سميت باسم امرأة اسمها رملة وجدها سليمان بن عبد الملك هناك في بيت شعر حين نزل مكانها يرتاد بناءها، فأكرمته وأحسنت نزله، فسألها عن اسمها، فقالت: رملة. فبنى البلد وسماها باسمها.»
Página desconocida
قال في «العزيزي»: «وهي قصبة فلسطين ، وهي في سهل من الأرض، وبينها وبين بيت المقدس مسيرة يوم.»
قال في «الروض المعطار»: «وبينها وبين نابلس يوم، وبينها وبين قيسارية مرحلة، وكان عبد الملك قد أجرى إليها قناة ضعيفة للشرب منها.»
وذكرها غرس الدين خليل بن شاهين الظاهري المتوفى سنة 872ه/1467م في كتابه «زبدة كشف الممالك وبيان الطرق والمسالك»
51
بقوله: «الرملة مدينة حسنة بها جوامع ومدارس ومزارات، ومن جملتها الجامع الأبيض عجيب من العجائب، قيل: إن بمغارته من قبور الصحابة أربعين قبرا، وبها من الأماكن المباركة ما يطول شرحه، وقبران من إخوة يوسف عليه السلام، وقبر أبي هريرة وقبر سلمان الفارسي.»
قلنا: ولعله يعني بأخوي يوسف راءوبين الذي سيأتي ذكره، وبأبي هريرة الذي يزعم وجود قبر له في قرية «بني» بالقرب من الرملة، في حين أن أبا هريرة مات بالمدينة «يثرب»، أما سلمان الفارسي فهو بالعراق.
وذكرها أبو اليمن عبد الرحمن بن محمد مجير الدين العليمي الفخري الحنبلي المتوفى سنة 927ه/1520م في كتابه «الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل»
52
بقوله: «وأما مدينة الرملة وهي واسطة بلد فلسطين، فإنها في أرض سهلة، وهي كثيرة الأشجار والنخيل، وحولها كثير من المزارع والمغارس وفيها أنواع الفواكه، وظاهرها حسن المنظر، وهي من جملة الثغور؛ فإن البحر المالح قريب منها مسافته عنها نحو نصف بريد من جهة الغرب، وكانت في الزمن السالف في عهد بني إسرائيل مدينة عظيمة البناء متسعة، وكان جالوت أحد جبابرة الكنعانيين ملكه بجانب فلسطين - كما تقدم عند ذكر سيدنا داود عليه السلام
53 - وتقدم أن سيدنا يونس عليه السلام
Página desconocida
54
أقام بالرملة ثم توجه إلى بيت المقدس يعبد الله تعالى.
وأما صفة مدينة الرملة قديما قبل الإسلام وبعده إلى حدود الخمسمائة، فكان بها سور محيط بها، وكان لها قلعة واثنا عشر بابا منها: باب القدس، وباب عسقلان، وباب يافا، وباب نابلس،
55
ولها أربعة أسواق متصلة من أربعة أبواب إلى وسطها، وهناك مسجد جامعها، فمن باب يافا يدخل في سوق القماحين، وهو متصل بسوق البصالين حتى يتصل بمسجد جامعها، وهي أسواق كانت حسنة يباع فيها أنواع السلع، ويتصل بباب القدس سوق القطانين إلى سوق المشاطين للكتان إلى سوق العطارين إلى المسجد الجامع، ويتصل بسوق الحبالين
56
من باب يازور، ثم سوق الجزارين ثم البقالين إلى المسجد الجامع، ويتصل بباب آخر من أبوابها سوق الصياقلة، ثم سوق السراجين إلى المسجد الجامع، ويقال: إن الرملة كانت أربعة آلاف ضيعة، وتقدم أن السلطان صلاح الدين هدم قلعتها،
57
وهدم مدينة لد في شهر رمضان سنة سبع وثمانين وخمسمائة، وأما في عصرنا فلم يبق أثر لتلك الأوصاف التي بالرملة، وقد زالت أسوارها وأسواقها القديمة؛ لاستيلاء الإفرنج عليها نحو مائة سنة، ولم يبق من المدينة ثلثها، بل ولا ربعها وبني فيها مساجد ومنابر مستجدة
58
Página desconocida
من زمن الملك الناصر محمد بن قلاوون وبعده، والموجود الآن من الأبنية في المدينة معظمه خراب مستهدم.»
وذكرها أبو العباس أحمد بن يوسف بن أحمد الدمشقي الشهير بالفرماني المتوفى سنة 1019ه/1610م في تاريخه، فقال عنها:
59 «مدينة الرملة ماؤها من المطر، وأشجارها قليلة حسنة البقاع، بناها سليمان بن عبد الملك وسكنها، ثم توالت عليها الزلازل إلى أن خربت وصارت قرية بعد أن كانت مصرا من الأمصار، ولما توجه السلطان الأعظم سليم خان العثماني في سنة 923ه/1517م إلى الديار المصرية تأخر من جماعته بعض أناس بها، فشاع الخبر أن أهل المدينة قتلوهم، فلما بلغ ذلك السلطان المذكور أمر بقتل عامة أهل البلد فقتلوهم عن آخرهم ولم يبق فيها ديار ولا نافخ نار، ثم اجتمع بعض جماعة من الغرباء وسكنها.»
وذكرها عبد الغني بن إسماعيل النابلسي المتوفى 1143ه/1730م في رحلته الكبرى التي قام بها سنة 1105ه/1693م في مصر والشام والحجاز، فقال عنها:
60 «الرملة سقيت وابل الغمام، والرملة واحدة الرمل وبها سميت أم حبيبة زوج النبي
صلى الله عليه وسلم
وغيرها، كما في «القاموس» وفي «الصحاح»: «الرمل واحد الرمال، والرملة أخص منه، ورملة مدينة بالشام.» انتهى. وهي المراد هنا فإنها من جملة أرض الشام، وذكر فيما ذكره أنه وقف فيها على مجموع لطيف بخط الشيخ حسن بن محمد المعروف بابن الجاموس نقل فيه ما ذكره القلقشندي في «صبح الأعشى» عن الرملة، وأن بانيها هو سليمان بن عبد الملك.»
قال: «وقوله: بناها. أي جدد بناءها وعمر ما خرب منها، وإلا فهي بلدة قديمة، واستشهد على ذلك بقول مجير الدين العليمي الحنبلي، وتقدم جميع ذلك.»
وذكرها محمد العطار الشامي المتوفى بعد سنة 1179ه/1765م في رحلته:
61 «وخرجت من القدس الشريف نهار السبت ثاني شهر صفر الخير المبارك الذي هو ثاني شهور سنة تسع وسبعين ومائة وألف، فدخلنا رملة فلسطين، وهي بلدة كبيرة أخربتها الأيام والدهور، وبقي جزء يسير معمور فنزلنا بها.»
Página desconocida
وهي واقعة في الإقليم الثالث كما ذكر ذلك أبو علي أحمد بن عمر بن رسته المتوفى بعد سنة 290ه/902م،
62
وابن الحائك،
63
والمقدسي،
64
ووافقهم عليه الشريف أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الله بن إدريس الصقلي المعروف بالإدريسي المتوفى بعد سنة 548ه/1153م،
65
وكذلك ياقوت
66
Página desconocida
إلا أنه قال: إن المهلبي يقول عنها: إنها في الإقليم الرابع.
وقال ابن الحائك:
67 «إنها على عرض أربع وثلاثين درجة وثماني أضلع وخمسين من الظل.»
ويقول ياقوت إن طولها خمس وخمسون درجة وثلثان، وعرضها اثنتان وثلاثون درجة وثلثان وهو الأصح والمعول عليه اليوم من جهة العرض.
ويقول القلقشندي
68
إنها في الإقليم الثالث، وإن صاحب «الأطوال» ذكر: أن طولها ست وخمسون درجة وخمسون دقيقة، وعرضها اثنتان وثلاثون درجة وعشر دقائق. وقال في «القانون»: طولها ست وخمسون درجة وعشرون دقيقة، وعرضها اثنتان وثلاثون درجة وأربعون دقيقة. وقال في «تقويم البلدان»: القياس أن طولها ست وخمسون درجة وست وعشرون دقيقة، وعرضها اثنتان وثلاثون درجة وثلاث وعشرون دقيقة. (5) الرملة مدينة إسلامية
وبالرغم من أن مدينة الرملة هي المدينة الرابعة من المدن العظيمة التي أحدثت في الإسلام، كما نقله علي بن الحسين بن علي من ذرية عبد الله بن مسعود المشهور بالمسعودي المتوفى سنة 346ه/957م،
69
بل كما اعترف به الغربيون أنفسهم، وهذا «بيدكر» صاحب «دليل الأرض المقدسة» الموسوم باسمه يقول إن اسمها عنوان عربيتها،
Página desconocida
70
وإن حجاج بيت المقدس من النصارى لم يذكروها قبل سنة 870م/257ه، ولما ذكروها قالوا عنها رامولة.
وهذا بركهوس
Brockhous
مؤلف «دائرة المعارف الألمانية»
71
يقول إن التقليد الكنسي يعتبر الرملة «أريماثيا» المذكورة في التوراة على أن الفضل في تأسيس الرملة، وبنائها يرجع للخلفاء الأمويين سنة 716م/98ه كما جاء في التواريخ العربية.
وهذا فرونمير
Frohnnmeyer
صاحب «جغرافية التوراة»
Página desconocida