Methodology of Al-Khatib Al-Baghdadi in Hadith Criticism
منهج الخطيب البغدادي في نقد الحديث
Editorial
(المكتبة العمرية - دار الذخائر)
Número de edición
الأولى
Año de publicación
١٤٤١ هـ - ٢٠٢٠ م
Ubicación del editor
القاهرة
Géneros
أصل هذا الكتاب رسالة علمية نال بها الباحث درجة الماجستير بتقدير ممتاز، من كلية دار العلوم، جامعة القاهرة، وقد ناقشتها لجنة تتألف من:
١ - الأستاذ الدكتور/ عبد المجيد محمود عبد المجيد، مشرفا.
أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم، جامعة القاهرة.
٢ - الأستاذ الدكتور/ رفعت فوزي عبد المطلب، مناقشا.
أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم، جامعة القاهرة.
٣ - الأستاذ الدكتور/ علي عبد الباسط مزيد، مناقشا.
عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر ببني سويف سابقا، وأستاذ الحديث بكلية أصول الدين.
1 / 4
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فإن من المعلوم عند أهل العلم وطلبته أن الخطيب البغدادي ﵀ إمام كبير من أئمة الدين، وحافظ نِحرير وناقد خبير لحديث النبي الأمين ﷺ، وله مصنفات كثيرة قيمة في علوم الحديث، صارت عمدةً لمن أتى بعده من المحدِّثين، حتى قال الحافظ ابن نُقطة: «له مصنَّفات في علوم الحديث لم يُسبق إلى مثلها، ولا شبهة عند كل لبيب أنَّ المتأخِّرين من أصحاب الحديث عيال علي أبي بكر الخطيب» (^١).
وكان «تاريخ بغداد» من أهم كتبه وأكبرها حجمًا وأعظمها فائدة، حتى قال العلامة ابن خِلِّكان (^٢): «لو لم يكن له سوى «التاريخ» لكفاه؛ فإنه يدل على اطِّلاع عظيم» (^٣).
لذلك ولغيره - مما سيأتي ذكره - رأيتُ أن يكون موضوع رسالتي لنيل درجة الماجيستير عن أحد موضوعات هذا الكتاب العظيم، وهو النقد الحديثي، وسميتها: «منهج الإمام الخطيب البغدادي في نقد الحديث من خلال كتابه تاريخ بغداد».
_________
(^١) «التقييد لمعرفة رواة السنن والمسانيد» (ص: ١٥٤).
(^٢) خِلِّكان: بكسر فتشديد، كذا ضبطه الزبيدي في «تاج العروس» (خ ل ك).
(^٣) «وفيات الأعيان» (١/ ٩٢).
1 / 5
وقد رأيتُ أن أقدِّم لهذه الرسالة بمقدمة مختصرة، أُبيِّن فيها أهمية الموضوع وأسباب اختياره، والدراسات السابقة ذات الصلة بموضوع البحث، وإشكالية الدراسة، ومنهجها، والخطة المتَّبعة لإنجازها.
أولًا: أهمية الموضوع وأسباب اختياره:
١ - أهمية معرفة مناهج الأئمة في باب نقد الأحاديث، حيث إنه لقلَّة معرفة بعض الباحثين لمناهجهم اضطربوا في باب التصحيح والتضعيف، فيصحِّحون ما قد أجمع الأئمة على إعلاله، أو يضعِّفون بعلة قد اطَّلع الأئمة عليها ولم يَرَوْها قادحة.
٢ - إن تتبُّع كلام الأئمة في نقد الحديث ودراسة مناهجهم هو أفضل طريق إلى اكتساب المعرفة بهذا العلم.
٣ - الجهود العظيمة التي قام بها الإمام الخطيب البغدادي في علوم الحديث، فقد كان من أكثر الأئمة تصنيفًا في علوم الحديث، فأردتُ أن أُبرز منهجه في نقد الأحاديث.
٤ - كون هذا الإمام الكبير مع شهرته وتقدُّمه في هذا العلم، لم يُفرَد منهجه في باب نقد الأحاديث بالدراسة حسب علمي.
٥ - رغبتي في المقارنة بين ما أصَّله الخطيب من قواعد في مصطلح الحديث في كتابيه «الكفاية في علم الرواية»، و«الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع»، وبين تطبيقه على الأحاديث في كتابه «تاريخ بغداد».
1 / 6
٦ - إيجاد خدمة علمية بإبراز الأحاديث التي تكلم عليها هذا الإمام.
٧ - إن دراسة منهج هذا الإمام تُبرز دقة هذا العلم وما يحتاج إليه دارسه من سعة المعرفة، فيكون في ذلك إسهام في تنبيه الباحثين المشتغلين بهذا العلم على أهمية التروِّي وطول النظر قبل إصدار الحكم على الأحاديث.
ثانيًا: الدراسات السابقة:
لم أجد أحدًا بحث في هذا الموضوع، ولكني وجدت بعض الباحثين قد تعرَّضوا لموضوعات أخرى ذات صلة بهذا الموضوع، منها:
١ - «الخطيب البغدادي وأثره في علوم الحديث» للدكتور محمود الطحان، وهي رسالته لنيل درجة الدكتوراه من كلية أصول الدين، جامعة الأزهر، وهي مطبوعة على نفقة المؤلف سنة (١٤٠١ هـ-١٩٨١ م).
وقد ترجم فيه مؤلِّفه للخطيب ترجمة موسَّعة وتكلَّم على مصنَّفاته، وعلى نقده لأئمة الحديث وبيانه لأوهامهم، ثم تكلَّم على أثره في علوم الحديث واعتماد العلماء من بعده عليه.
٢ - «موارد الخطيب في تاريخ بغداد» للدكتور أكرم ضياء العمري، الناشر: دار طيبة، الطبعة الثانية، سنة (١٤٠٥ هـ- ١٩٨٥ م).
جمع فيه مصادر الخطيب في «تاريخه» وتكلَّم عليها، سواء أكانت هذه المصادر في الحديث أو التاريخ أو التراجم أو الأنساب أو البلدان أو الأدب أو غير ذلك.
1 / 7
٣ - «زوائد تاريخ بغداد على الكتب الستة» للدكتور خلدون الأحدب، الناشر: دار القلم، بدون تاريخ للطبع.
أفرد فيه زوائد أحاديث «تاريخ بغداد» على الكتب الستة، وخرَّج كلَّ حديث منها، ودرسه، وحكم عليه بالقبول أو الرد.
٤ - «الخطيب البغدادي مؤرِّخ بغداد ومحدِّثها» للدكتور يوسف العش، مطبعة الترقي- دمشق، سنة (١٣٦٦ هـ). وهو ترجمة قيِّمة للخطيب البغدادي.
ثالثًا: إشكالية الدراسة:
ستجيب هذه الدراسة -إن شاء الله تعالى- عن التساؤلات الآتية:
١ - ما هي أبرز سمات منهج نقد الأحاديث عند الإمام الخطيب البغدادي؟
٢ - ما مدى تأثُّر الخطيب بمن سبقه من المحدثين في نقد الأحاديث؟ وهل كان مجتهدًا في نقده أم مقلِّدًا؟
٣ - هل وافقت أحكام الخطيب على الأحاديث أحكامَ مَن قبله من العلماء أم خالفتها؟ وما مقدار هذه الموافقة أو المخالفة؟
٤ - هل وافق تنظيرُ الخطيب لأصول نقد الحديث في كتابه «الكفاية» وغيره تطبيقَه على الأحاديث في «تاريخه» أم خالفه؟
1 / 8
رابعًا: منهج الدراسة:
إن منهج الدراسة هو منهج استقرائي ووصفي واستنباطي، ويتلخَّص في النقاط التالية:
١ - جمع الأحاديث التي تكلَّم عليها الخطيب البغدادي، وأقواله في الرجال مما له صلة بنقد الحديث ووجوهه من خلال كتابه «تاريخ بغداد».
٢ - تقسيم هذه الأحاديث على الأبواب والفصول والمباحث والمطالب الآتي ذكرها في خطة الدراسة.
٣ - تخريج الأحاديث ودراستها بما يفي بمقصود البحث، وقد كانت دراستي منصبَّة على الطريق الذي تكلَّم عليه الخطيب بغض النظر عن غيره من الطرق.
٤ - التعريف بالرواة والأعلام، وقد ترجمتُ لمن احتجتُ إليه في الدراسة، وأغفلتُ مَن لا أحتاج إليه ممن هو مشهور أو ذُكر عَرضًا، وذلك لكثرتهم، وعدم جدوى الترجمة لكل عَلَم يَرِد، ما لم يكن يخدم البحث خدمة واضحة.
٥ - الاستعانة بأقوال الخطيب البغدادي في الرجال ذات الصلة بموضوع نقد الحديث.
٦ - الإفادة بما قرره الخطيب من قواعد نقد الحديث في كتابه «الكفاية في علم الرواية» وغيره، ومقارنة تنظيره في هذا الكتاب بتطبيقه في «تاريخ بغداد».
1 / 9
٧ - مقارنة كلامه بكلام غيره من النقاد من خلال دراسة الأحاديث والأقوال.
٨ - استخلاص منهج الخطيب البغدادي من خلال دراسة الأحاديث التي تكلم عليها وأقواله في الرجال.
خامسًا: خطة الدراسة:
جاء هذا البحث في تمهيد وأربعة أبواب وخاتمة:
• التمهيد: التعريف بالإمام الخطيب البغدادي وبكتابه «تاريخ بغداد».
وفيه مبحثان:
* المبحث الأول: التعريف بالإمام الخطيب البغدادي.
وفيه عشرة مطالب:
- المطلب الأول: عصر الإمام الخطيب البغدادي.
- المطلب الثاني: اسمه ونسبه وأسرته ومولده.
- المطلب الثالث: حياته العلمية.
- المطلب الرابع: شيوخه وتلاميذه.
- المطلب الخامس: صفاته.
- المطلب السادس: مذهبه العقدي والفقهي.
- المطلب السابع: مصنفاته.
1 / 10
- المطلب الثامن: إمامته ومكانته عند علماء الحديث.
- المطلب التاسع: الرد على الشبهات التي أُثيرت حوله.
- المطلب العاشر: مرضه ووفاته.
* المبحث الثاني: التعريف بـ «تاريخ بغداد».
وفيه خمسة مطالب:
- المطلب الأول: موضوعه، وترتيبه.
- المطلب الثاني: مصادره.
- المطلب الثالث: أهميته ومميزاته.
- المطلب الرابع: منهج عرض المادة العلمية في الكتاب.
- المطلب الخامس: منهج سياق الأحاديث في الكتاب.
• الباب الأول: نقد الأحاديث بالطعن في رواتها.
وفيه ثلاثة فصول:
* الفصل الأول: نقد الحديث بالطعن في الراوي بالجهالة.
وفيه مبحثان:
- المبحث الأول: ضابط الجهالة عند الخطيب البغدادي.
- المبحث الثاني: نقد الخطيب البغدادي للأحاديث بجهالة بعض رواتها.
1 / 11
* الفصل الثاني: نقد الحديث بالطعن في عدالة الراوي.
وفيه مبحثان:
- المبحث الأول: مفهوم العدالة وشروطها عند الخطيب البغدادي.
- المبحث الثاني: النقد باختلال العدالة عند الخطيب.
وفيه مطلبان:
- المطلب الأول: النقد بالطعن في الراوي بالكذب ووضع الحديث.
- المطلب الثاني: النقد بالطعن في الراوي بسرقة الحديث.
* الفصل الثالث: نقد الحديث بالطعن في ضبط الراوي.
وفيه مبحثان:
- المبحث الأول: مفهوم الضبط وكيفية تحقُّقه في الراوي.
- المبحث الثاني: النقد باختلال الضبط عند الخطيب.
• الباب الثاني: نقد الأحاديث بما يُخِلُّ باتصال أسانيدها.
وفيه فصلان:
* الفصل الأول: الانقطاع والنقد به عند الخطيب.
وفيه مبحثان:
- المبحث الأول: تعريف الانقطاع وصوره عند الخطيب.
- المبحث الثاني: النقد بانقطاع السند عند الخطيب.
1 / 12
* الفصل الثاني: التدليس والنقد به عند الخطيب.
وفيه مبحثان:
- المبحث الأول: التعريف بالتدليس وأنواعه عند الخطيب.
- المبحث الثاني: النقد بالتدليس عند الخطيب.
• الباب الثالث: نقد الأحاديث بالعلل الخفية.
وفيه تمهيد، وثلاثة فصول:
* تمهيد: تعريف العلة وأنواعها.
* الفصل الأول: النقد بالتفرُّد والمخالفة مع وجود القرائن.
وفيه ثلاثة مباحث:
- المبحث الأول: التفرد والنقد به عند الخطيب.
- المبحث الثاني: الحديث المنكر عند الخطيب.
- المبحث الثالث: النقد بالمخالفة عند الخطيب.
وفيه أربعة مطالب:
- المطلب الأول: رأي الخطيب عند اختلاف الرواة في الحديث.
- المطلب الثاني: النقد بمخالفة الراوي لغيره برفع الموقوف.
- المطلب الثالث: النقد بمخالفة الراوي لغيره بوصل المرسل.
1 / 13
- المطلب الرابع: النقد بمخالفة الراوي لغيره بخلاف الحالتين
السابقتين.
* الفصل الثاني: النقد بالاضطراب والقلب والتصحيف.
وفيه ثلاثة مباحث:
- المبحث الأول: الاضطراب.
وفيه مطلبان:
- المطلب الأول: تعريف الحديث المضطرب.
- المطلب الثاني: بيان الخطيب للاضطراب في الأحاديث.
- المبحث الثاني: القلب.
وفيه مطلبان:
- المطلب الأول: تعريف الحديث المقلوب وأقسامه.
- المطلب الثاني: بيان الخطيب للقلب في الأحاديث.
- المبحث الثالث: التصحيف.
وفيه مطلبان:
- المطلب الأول: تعريف التصحيف.
- المطلب الثاني: بيان الخطيب للتصحيف في الأحاديث.
* الفصل الثالث: نقد المتون عند الخطيب.
1 / 14
• الباب الرابع: الخصائص العامة للنقد عند الخطيب.
وفيه فصلان:
* الفصل الأول: تأثر الخطيب بالنقاد المتقدمين مع عدم تقليده لهم.
وفيه ثلاثة مباحث:
- المبحث الأول: تأثُّر الخطيب بالنقَّاد المتقدمين في أحكامه النقدية على الأحاديث.
- المبحث الثاني: شرح الخطيب لكلام النقاد.
- المبحث الثالث: نقد الخطيب للأحكام النقدية لسابقيه وعدم التقليد.
* الفصل الثاني: كيفية معرفة الخطيب بنقد الراوي والرواية.
وفيه مبحثان:
- المبحث الأول: كيفية معرفة الخطيب بنقد الراوي.
- المبحث الثاني: كيفية معرفة الخطيب بنقد الرواية.
• الخاتمة: وفيها أهم النتائج والتوصيات.
وقد ألحقت بالبحث جملة من الفهارس التي تقرِّب الاستفادة منه، وهي:
- فهرس الآيات القرآنية، ورتبته حسب ترتيب سور المصحف العثماني.
- فهرس الأحاديث النبوية، ورتبته حسب الأطراف على حروف المعجم.
- فهرس المصادر والمراجع، ورتبته على حروف المعجم أيضًا.
1 / 15
- فهرس الموضوعات، ورتبته حسب ورودها في البحث، ابتداءً بالأبواب
ثم الفصول ثم المباحث ثم المطالب.
هذا، وأرجو الله تعالى أن ينفع بهذه الدراسة، وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم؛ إنه على كل شيء قدير، وصلى الله على نبيِّنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
* * *
1 / 16
التمهيد
التعريف بالإمام الخطيب البغدادي وبكتابه «تاريخ بغداد»
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: التعريف بالإمام الخطيب البغدادي.
المبحث الثاني: التعريف بـ «تاريخ بغداد».
1 / 17
المبحث الأول
التعريف بالإمام الخطيب البغدادي
وفيه عشرة مطالب:
- المطلب الأول: عصر الإمام الخطيب البغدادي.
- المطلب الثاني: اسمه ونسبه وأسرته ومولده.
- المطلب الثالث: حياته العلمية.
- المطلب الرابع: شيوخه وتلاميذه.
- المطلب الخامس: صفاته.
- المطلب السادس: مذهبه العقدي والفقهي.
- المطلب السابع: مصنفاته.
- المطلب الثامن: إمامته ومكانته عند علماء الحديث.
- المطلب التاسع: الرد على الشبهات التي أُثيرت حوله.
- المطلب العاشر: مرضه ووفاته.
1 / 19
المطلب الأول
عصر الإمام الخطيب البغدادي
عاش الإمام الخطيب البغدادي ﵀ في عصرٍ يموج بالقَلاقل السياسية، والتناحُر على الحُكم والسُّلطة، وفي بلدٍ تمرُّ بها أحوالٌ اقتصادية واجتماعية صعبة، وفتح عينيه ليشهد تنازعَ الفرق الإسلامية المختلفة وتخاصمها، ومع ذلك فقد عاصر ازدهارًا في الحياة العلمية والفكرية، وأُبيِّن ذلك فيما يلي:
أولًا: الحالة السياسية:
يمثِّل عصرُ الخطيب - وهو القرن الخامس الهجري - عصرَ ضعف الخلافة العباسية، فقد كان الخليفة العباسي ليس له إلا سُلطة اسمية على بغداد وما حولها، والسُّلطة الفعلية كانت لبني بُوَيْه (^١)، ثم للسَّلاجِقة (^٢) من بعدهم.
_________
(^١) بنو بُوَيْه: هم ملوك أصلهم من الديلم، وهم عماد الدولة أبو الحسن علي، وركن الدولة أبو علي الحسن، ومعز الدولة أبو الحسن أحمد، أولاد بويه بن فناخسرو بن تمام، وأولادهم ملوك الديلم، وقد ملكوا فارس وغيرها من البلدان، واستولوا على العراق، وكان بيدهم السلطة، وليس للخليفة إلا الاسم فقط، وكان آخر ملوكهم الذي انقضت به دولة آل بويه الملك الرحيم أبو نصر بن أبي كاليجار مرزبان المتوفى سنة (٤٥٠ هـ). والديلم: جيل من العجم كانوا يسكنون نواحي أذربيجان. ينظر: «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (٧/ ٥ وما بعدها)، و«السلوك لمعرفة دول الملوك» للمقريزي (١/ ١٢٩)، و«المعجم الوسيط» (١/ ٢٩٤).
(^٢) السلاجقة أسرة تركية كبيرة، كانت تقيم في بلاد ما وراء النهر - نهر جيحون - وتُنسب إلى زعيمها سلجوق بن تقاق، الذي اشتهر بكفاءته الحربية، وكثرة أتباعه، وقد أسلم سلجوق وأتباعه، وخلَّف من الأولاد: أرسلان وميكائيل وموسى، وكان أبرزهم ميكائيل الذي أنجب طغرلبك محمدًا وجغريبك داود، اللذين قام عليهما مجد السلاجقة. وقد هاجر السلاجقة بزعامة طغرلبك وأخيه في الربع الأول من القرن الخامس الهجري إلى خراسان الخاضعة لنفوذ الغزنويين،
وبعد سلسلة من الصراع بين الغزنويين والسلاجقة، استطاع السلاجقة السيطرة على خراسان، وقد عين الخليفة طغرلبك نائبًا عنه في خراسان وبلاد ما وراء النهر وفي كل ما يتم فتحه من البلاد. ينظر: «الكامل في التاريخ» لابن الأثير (٨/ ٥ وما بعدها)، و«البداية والنهاية» لابن كثير (١٥/ ٦٨١).
1 / 21
أما في مصر وبلاد المغرب فقد كان الحكم فيها للفاطميين الباطنية، حتى لقَّبوا أنفسهم بالخلفاء، وامتد حكمهم إلى الحجاز والشام، وحاولوا السيطرة على العراق لكن لم يُفلحوا.
أما خُراسان (^١) وبلاد المشرق فقد كان يحكمه الغَزْنويون (^٢) والسَّلاجقة، وإن أَبْقَوْا على الارتباط الاسمي بالخلافة العباسية.
_________
(^١) خراسان: بلاد واسعة، أول حدودها مما يلي العراق، وآخر حدودها مما يلي الهند. «مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع» لعبد المؤمن القطيعي الحنبلي (١/ ٤٥٥).
(^٢) الغزنويون: منسوبون إلى غزنة - مدينة في خراسان وتقع الآن في أفغانستان - أول سلاطينهم السلطان محمود بن ناصر الدولة سبكتكين، قضى على ملوك بني سامان في بلاد خراسان، وملك بلاد خراسان كلها، وذلك في سنة (٣٨٩ هـ)، وسيَّر له القادر بالله خلعة السلطنة، ثم زحف إلى الهند، وأخضع عدة مدن أدخل فيها الإسلام ودمر الأصنام، وكان ملوك الديلم قد عظم أمرهم وزاد شرهم في ممالك العراق، فأظهر الله هذا السلطان ومكَّنه من رقابهم، وصلب أعيان الشيعة والزنادقة والرافضة، توفي ﵀ سنة (٤٢١ هـ) بغزنة، وتولى بعده ابنه مسعود وجرى له مع بني سلجوق خطوب يطول شرحها، وقُتل سنة (٤٣٠ هـ)، واستولى على المملكة بنو سلجوق، لكن بقيت للغزنوية بقية ملوك إلى سنة (٥٥٥ هـ). ينظر: «نزهة الأنظار في عجائب التواريخ والأخبار» لمحمود بن سعيد مقديش (١/ ٣٠٠)، و«موجز التاريخ الإسلامي من عهد آدم إلى عصرنا الحاضر» لأحمد معمور العسيري (ص: ٢٣٣).
1 / 22
وقد عاش الخطيب في بغداد عاصمة الخلافة العباسية، وتولَّى الخلافة في فترة حياته اثنان من الخلفاء العباسيين، وهما: القادر بالله، والقائم بأمر الله.
أما الخليفة القادر بالله، فهو أبو العباس أحمد بن إسحاق بن المقتدر جعفر بن المعتضد العباسي، وقد تولى الخلافة من سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة إلى سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة، فاستمرت خلافته إحدى وأربعين سنة، وكان رجلًا عالمًا ناصرًا للسنة قامعًا للبدعة، وقد وصفه الخطيب بقوله: «كان من الستر والديانة وإدامة التهجد بالليل، وكثرة البر والصدقات على صفة اشتهرت عنه، وعُرف بها عند كل أحد، مع حسن المذهب وصحة الاعتقاد، وكان صنَّف كتابًا في الأصول، ذكر فيه فضائل الصحابة على ترتيب مذهب أصحاب الحديث، وأورد في كتابه فضائل عمر بن عبد العزيز، وإكفار المعتزلة والقائلين بخلق القرآن، وكان الكتاب يُقرأ كل جمعة في حلقة أصحاب الحديث بجامع المهدي، ويحضر الناس سماعه» (^١).
وأما الخليفة القائم بأمر الله، فهو أبو جعفر عبد الله بن القادر بالله، تولى الخلافة بعد موت أبيه سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة وحتى سنة سبع وستين وأربعمائة، فكانت مدة خلافته خمسًا وأربعين سنة، وكان ورعًا ديِّنًا كثير الصدقة والصبر، ولم يكن له من أمر السلطة شيء، وكان ملوك بني بُوَيه هم أصحاب السلطة الفعلية، وكانت هناك محاولات من الفاطميين بالاستيلاء
_________
(^١) «تاريخ بغداد» (٥/ ٦٢). والكتاب المذكور هو المعروف بـ «الاعتقاد القادري»، وهو كتاب صغير، وقد ساقه بتمامه ابن الجوزي في «المنتظم في تاريخ الملوك والأمم» (١٥/ ٢٧٩).
1 / 23
على بغداد وإنهاء الخلافة العباسية، عن طريق استمالة بعض القوَّاد الأتراك، مثل القائد أرسلان البَسَاسِيري (^١).
إلا أن سلطة البُوَيْهيين بدأت في الانهيار في أواخر النصف الأول من القرن الخامس الهجري، فانتهز الخليفة القائم بأمر الله الفرصة، وطلب إلى طُغرلبك السلجوقي أن يأتي إلى بغداد ويخلِّصه من حُكم البُوَيْهيين ومن عملاء الفاطميين، فجاء طغرلبك ودخل بغداد بجنوده، وأنهى حكم بني بُوَيه، وفرَّ البَسَاسِيري ومن معه من الجنود إلى الرَّحبة، وذلك بمساعدة الوزير الصالح أبي القاسم علي بن الحسن المعروف بابن المُسْلِمة، الذي كان يشعر بخطر عظيم من محاولات الفاطميين الاستيلاء على بغداد وإنهاء الخلافة العباسية. وكان الوزير ابن المُسْلِمة حسن الاعتقاد سديد المذهب، ذا رأي أصيل وعقل وافر (^٢).
وفي سنة خمسين وأربعمائة اضطر طُغرلبك إلى مغادرة بغداد إلى الموصل لقتال أحد العاصين، ولم يبق ببغداد من يحميها، فانتهز البَسَاسِيري الفرصة وهجم على بغداد بمعاونة الفاطميين، فدخلها حاملًا معه الرايات الفاطمية، قال الخطيب: «ثم دخل البَسَاسِيري بغداد يوم الأحد ثامن ذي القعدة ومعه الرايات المصرية، فضرب مضاربه على شاطئ دجلة، ونزل هناك والعسكر معه، وأجمع أهل الكرخ والعوام من أهل الجانب الغربي على مضافرة
_________
(^١) ينظر: «الخطيب البغدادي وأثره في علوم الحديث» للدكتور محمود الطحان (ص: ٢٠ - ٢٢)، و«موارد الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد» للدكتور أكرم العمري (ص: ١٥ - ١٦).
(^٢) ينظر: «تاريخ بغداد» (١٣/ ٣٢٧)، ومقدمة تحقيق «تاريخ بغداد» للدكتور بشار عواد (ص: ٣١).
1 / 24
البَسَاسِيري، وكان قد جمع العَيَّارين (^١) وأهل الرساتيق (^٢) وكافة الدُّعَّار (^٣)، وأطمعهم في نهب دار الخلافة، والناس إذ ذاك في ضر وجَهْد، قد توالت عليهم سنون مُجدبة، والأسعار غالية، والأقوات عزيزة، وأقام البَسَاسِيري بموضعه والقتال في كل يوم يجري بين الفريقين في السفن بدجلة.
فلما كان يوم الجمعة الثالث عشر من ذي القعدة دُعي لصاحب مصر في الخطبة بجامع المنصور، وزيد في الأذان: حي على خير العمل …
فلما كان من يوم الأحد لليلتين بقيتا من ذي القعدة حشر البَسَاسِيري أهل الجانب الغربي عمومًا، وأهل الكرخ خصوصًا، ونهض بهم إلى حرب الخليفة، فتحاربوا يومين قُتل بينهما قتلى كثيرة …».
ثم ذكر الخطيب أن البَسَاسِيري نفى الخليفة إلى مدينة حَديثة عانة على نهر الفرات، فحُبس هناك، وأنه قبض على الوزير ابن المُسْلِمة ثم صلبه حيًّا وقتله.
وقد خرج الخطيب من بغداد متوجِّهًا إلى دمشق يوم النصف من صفر سنة إحدى وخمسين وأربعمائة؛ خوفًا من بطش البَسَاسِيري؛ فقد كان الخطيب مقرَّبًا من الوزير ابن المُسْلِمة.
ثم ذكر الخطيب أن طُغرلبك رجع إلى بغداد فأطلق الخليفة من محبسه، وأنه حارب البَسَاسِيري، إلى أن ظُفر به وقُتل، وطِيف برأسه في بغداد، وعُلِّق
_________
(^١) العيار: الذي يخلي نفسه وهواها لا يردعها ولا يزجرها. «المصباح المنير» للفيومي (ع ي ر).
(^٢) يعني: أهل القرى والنواحي المحيطة ببغداد. ينظر: «تاج العروس» (س ود).
(^٣) يعني: الفُساق وأهل الفساد. ينظر: «تاج العروس» (د ع ر).
1 / 25