92

ذكريات

ذكريات - علي الطنطاوي

Editorial

دار المنارة للنشر والتوزيع

Número de edición

الخامسة

Año de publicación

١٤٢٧ هـ - ٢٠٠٦ م

Ubicación del editor

جدة - المملكة العربية السعودية

Géneros

الأناشيد، فإذا انتهى الدرس بعثتني جدّتي إليه لأقول له: يا شيخ محمود، اقرأ لنا أو أسمعنا نشيدًا. وكان يفعل. وجئت المدرسة وهذا نظري إليه وحكمي عليه. وإذا هو في المدرسة رجل آخر غير الذي عرفته في الدار، لا ينشد ولكن يشدّ أرجلنا في الفلق ويقرعها بالعصا. كان مخيفًا، وكان التلاميذ إذا خرج عليهم وهم في الفرصة وهم يصرخون ويصيحون صمتوا فجأة وكُمّت أفواههم. ولمّا صرفه الشيخ عيد (أو انصرف هو) جاء يودّعنا يرتقب منا أن نبكي حزنًا للفراق، ففرحنا من الأعماق. أقول هذا بلسان ذلك التلميذ، وأشهد -وقد استمرّت صلتي به إلى أن توفّاه الله من سنوات- أنه كان يحب الخير للتلاميذ ويريد لهم الكمال، أمّا الشدة فقد كانت (موضة) المعلمين في تلك الأيام. * * * في هذه المدرسة اتضح لي طريق الجمع بين القراءة على المشايخ على الأسلوب الأزهري القديم، والدراسة في المدارس على الأسلوب الجديد. ولقد كنت -منذ وعيت- أجد إذا أصبحت مشايخ بعمائم ولحى يقرؤون على أبي، وكنت أدخل بالماء أو بالشاي فألتقط كلمة بعد كلمة، لا أفهم معناها ولكن تبقى في نفسي ذكراها. ثم صار أبي يأمرني أن أناوله الجزء الأول من حاشية ابن عابدين، أو الثاني من الفتاوى الهندية، أو جزءًا من القاموس، أو تنقيح الحامدية ... فعرفت بعض أسماء الكتب.

1 / 97