145

ذكريات

ذكريات - علي الطنطاوي

Editorial

دار المنارة للنشر والتوزيع

Número de edición

الخامسة

Año de publicación

١٤٢٧ هـ - ٢٠٠٦ م

Ubicación del editor

جدة - المملكة العربية السعودية

Géneros

الحسام والسنان وإنما كان القلم واللسان، والنضال بالمقال مثل القتال بالنصال والنبال.
وفكرت أن أقطع سلسلة هذه الذكريات، ثم رأيت أنها لا تخلو إن شاء الله من نفع، وأنها ربما ذكّرَت ناسيًا أو أوقدت من العزائم خابيًا. ورأيت أن مثلي في سنّي وكبري لا يُطلَب منه مثل الذي يُطلَب من الشباب، وأن لكل موظف وعامل حقًا في التقاعد، فلماذا أُحرَم أنا هذا الحق؟ فهل ترون في هذا عذرًا لي إن أضعت وقتكم، وملأت صحف مجلتكم بحديث ذكرياتي التي لا تهمّ أحدًا منكم؟ أترونه عذرًا أم أنا أعلّل النفس بالأوهام؟
ولو كانت ذكريات ملك أو أمير أو قائد كبير لغذّت التاريخ بإظهار الخفايا وكشف المخبّآت، ولكنها ذكريات واحد من الناس كل الذي عمله أنه قرأ وأقرأ، وأنه كتب وخطب، وما أكثر الكُتّاب والخطباء! إني لأخجل حين أشغل القرّاء بنفسي، لذلك أفرّ إلى وصف أحداث البلد وأخبار الناس. وهذا ما لامني عليه رئيس التحرير، لوّح باللوم ولمّح ولكنه ما صرّح ولا وضّح.
أتكلم اليوم عن أساتذتي في مكتب عنبر.
لقد كان أول درس حضرناه فيه للشيخ عبد الرحمن سلام البيروتي، فاستقبلَنا ﵀ بخطبة رنّانة أعلن فيها أنه غدا ذلك اليوم مدرسًا للعربية حقًا، ذلك أن مَن كان قبلنا قد درسوا في العهد التركي فنشؤوا (إلاّ من عصم الله) على ضعف بالعربية، ومن كانوا معنا درس أكثرهم في العهد العربي فكانوا أقوى ملكة وأقوم لسانًا.

1 / 154