La muerte visita Pemberley
الموت يزور بيمبرلي
Géneros
وقد أفاد بينجلي أنه وجد ويكهام غاضبا وغير متعاون ويميل إلى الانفجار في وجه القاضي ورجال الشرطة في فظاظة، مطالبا إياهم بأن يضاعفوا جهودهم ليعرفوا من قتل صديقه العزيز والوحيد. لماذا كان يهان في السجن في حين أن المذنب الحقيقي حر طليق؟ لماذا تعمد الشرطة إلى قطع راحته من أجل إزعاجه ومضايقته بأسئلة غبية وغير ضرورية؟ لماذا سألوه عن سبب قلبه لديني على ظهره؟ ليرى وجهه بالطبع، كان ذلك تصرفا طبيعيا تماما. لا، لم يلحظ الجرح على رأس ديني؛ فقد كان مغطى بالشعر على الأرجح، كما أنه كان حزينا جدا لدرجة لا تسمح له بملاحظة التفاصيل على أي حال. كذلك فقد سئل عما كان يفعل في المدة التي تفصل بين سماع دوي طلقات النار ولحظة اكتشاف مجموعة البحث لجثة ديني؟ كان يتعثر أثناء سيره في الغابة في محاولة للإمساك بالقاتل، وكان هذا هو الأمر الذي ينبغي عليهم القيام به، وليس إهدار الوقت في مضايقة رجل بريء وإزعاجه.
واليوم، وجد دارسي رجلا مختلفا للغاية. أصبح يرتدي ملابس نظيفة، وأصبح حليقا وشعره مصفف، واستقبله ويكهام وكأنه يستقبله في بيته، وأسبغ رعايته على ذلك الزائر غير المرحب به بشدة. وتذكر دارسي أن ويكهام كان متقلب المزاج دائما، والآن رأى ويكهام القديم، ذلك الوسيم الواثق الذي يميل إلى التلذذ بسمعته السيئة أكثر من النظر إليها على أنها مصدر للعار والخزي. وكان بينجلي قد أحضر له الأشياء التي طلبها؛ التبغ وعدة قمصان وربطات عنق ونعلا، وفطائر متبلة مخبوزة في هايمارتن لإضافتها إلى الطعام الذي اشتري له من المخبز المحلي، وحبرا وأوراقا حيث اقترح ويكهام أن يكتب تقريرا عن مشاركته في الحملة الأيرلندية وعن الظلم البين الذي يتعرض له بوضعه الحالي في السجن، سيكتب سجلا شخصيا كان واثقا من أنه سيجد سوقا مهيأة لينتشر فيها. ولم يتحدث أي من الرجلين عن الماضي. لم يتمكن دارسي من التخلص من سيطرة الماضي عليه لكن ويكهام كان يعيش اللحظة الراهنة، وكاد دارسي - في الوقت الراهن - يعتقد أن ويكهام قد صرف التفكير في أسوأ ما في الأمر عن ذهنه.
قال ويكهام إن عائلة بينجلي أحضرت ليديا من هايمارتن لزيارته في المساء السابق، لكنها كانت جامحة في تذمرها وبكائها حتى إنه وجد أن ذلك يوقع في نفسه الكآبة كثيرا بدرجة لا يمكنه تحملها، فأشار إلى أنها ينبغي ألا تحضر لزيارته في المستقبل إلا بطلب منه، وستكون مدة زيارتها 15 دقيقة فقط. لكن كان يحدوه الأمل ألا تكون هناك حاجة إلى المزيد من الزيارات؛ فقد حدد موعد التحقيق على أن يكون في الحادية عشرة من صباح يوم الأربعاء، وكان واثقا من أنه سيطلق سراحه حينها، متصورا عودته منتصرا هو وليديا بعد إطلاق سراحه إلى لونجبورن وتهنئة أصدقائه القدامى له في ميريتون. ولم يأت على ذكر بيمبرلي، ربما لأنه بالكاد يتوقع أنه مرحب به هناك حتى في حالة نشوته بالنصر، كما أنه لا يرغب في وجوده بها. وفكر دارسي أن ويكهام بلا شك وفي ظل نشوته بإطلاق سراحه، سينضم أولا إلى ليديا في هايمارتن قبل أن يسافرا إلى هيرتفوردشاير. فقد بدا من غير العادل أن يتحمل بينجلي وجين عبء وجود ليديا حتى ولو ليوم واحد، لكن سيتقرر أمر كل ذلك إذا ما أطلق سراحه بالفعل. وتمنى دارسي أن يشارك ويكهام في ثقته بإطلاق سراحه.
لم يمكث دارسي سوى نصف الساعة فقط، وأعطي لائحة بالأشياء المطلوبة ليتم إحضارها في اليوم التالي، وغادر بطلب من ويكهام أن يرسل ثناءه وشكره لكل من السيدة والآنسة دارسي. وحين غادر دارسي، فكر أنه من المريح رؤية ويكهام وهو لم يعد غارقا في شعوره بالتشاؤم، أو أنه متورط في الجريمة، لكن الزيارة كانت غير مريحة له كما كانت مثيرة للإحباط الشديد.
وكان دارسي يعلم - بشيء من الحسرة - أن المحاكمة إن سارت على ما يرام فسيتحتم عليه أن يدعم ويكهام وليديا، ولو لوقت قصير في المستقبل القريب على الأقل. ذلك أن مصروفاتهما كانت تتخطى دوما حدود دخلهما، وخمن دارسي أنهما يعتمدان على الإعانات الخاصة من إليزابيث وجين لزيادة دخلهما غير الكافي. وكانت جين لا تزال تدعو ليديا إلى هايمارتن بين الحين والآخر، بينما كان ويكهام - الذي يتذمر سرا بصوت عال - يلهي نفسه في مجموعة مختلفة من الحانات والفنادق المحلية، وكانت إليزابيث تحصل على أخبار الزوجين من جين. ولم تحقق أي من الوظائف المؤقتة التي حصل عليها ويكهام منذ استقالته من الخدمة أي نجاح له. فآخر محاولاته لاستحقاق الجدارة والكفاءة كانت مع السير والتر إليوت، وهو حامل للقب بارون أجبر على تأجير منزله للغرباء بسبب بذخه، وانتقل إلى باث مع اثنتين من بناته. كانت البنت الصغرى - واسمها آن - سعيدة في زيجتها المزدهرة من قبطان في البحرية - أصبح الآن أدميرالا بارزا - لكن الابنة الكبرى واسمها إليزابيث كانت لا تزال تبحث عن زوج لها. وبسبب عدم رضا البارون عن الوجود في باث كان قد قرر الآن أنه ثري بما يكفي ليتمكن من العودة إلى منزله، فقدم إشعار المستأجر ووظف ويكهام سكرتيرا له ليساعده في العمل اللازم من أجل الانتقال. وصرف ويكهام من العمل في غضون ستة أشهر. وحين كان يواجه الأخبار المحزنة أو الخلافات العائلية - وهي الأسوأ - كانت مهمة جين في التسوية ألا تحمل أيا من الأطراف الخطأ الأكبر. لكن حين نقلت أخبار آخر ما أخفق فيه ويكهام إلى أختها الأكثر تشككا، اشتبهت إليزابيث في أن الآنسة إليوت كانت قلقة من استجابة والدها تجاه غزل ليديا الصريح، في حين قوبلت محاولات ويكهام في التقرب منها في البداية بالتشجيع الناتج من الشعور بالملل، وفي النهاية بشعور بالاشمئزاز.
وبمجرد أن خرج دارسي من لامتون، كان من الجيد بالنسبة إليه أن يستنشق بعض الهواء العليل وأن يتحرر من رائحة السجن الصعبة، التي هي مزيج من رائحة الأجساد والطعام والصابون الرخيص، وأن يتحرر كذلك من أصوات المفاتيح، ووجه دارسي رأس جواده تجاه بيمبرلي وهو يشعر بدفقة من الارتياح ولديه إحساس بأنه تحرر من السجن.
الفصل الخامس
كان منزل بيمبرلي هادئا وكأنه مهجور، وكان من الواضح أن إليزابيث وجورجيانا لم تعودا بعد. وبالكاد نزل دارسي من على صهوة جواده حين أتى أحد الخدم في الإسطبل من عند زاوية المنزل ليأخذ منه جواده، لكن لا بد أن دارسي عاد في وقت مبكر أكثر مما كان متوقعا، ولم يكن هناك أحد ينتظره عند الباب. دلف دارسي الردهة الساكنة وتوجه إلى غرفة المكتبة حيث فكر أن من المرجح أن يجد الكولونيل بها ولا يطيق صبرا لسماع الأخبار. لكنه فوجئ حين وجد السيد بينيت وحده فيها، ويجلس مختفيا في كرسي عالي الظهر بجوار النار ويقرأ جريدة «إدنبرة ريفيو». وكان من الواضح من الكوب والطبق الفارغين على الطاولة الصغيرة بجانبه أنه تلقى بعض المرطبات بعد أن قطع تلك الرحلة . وبعد أن توقف دارسي للحظة، بفعل اندهاشه، أدرك أنه كان مسرورا للغاية برؤية زائره، وحين نهض السيد بينيت من كرسيه صافحه دارسي بحرارة. «فضلا لا تزعج نفسك يا سيدي. تسرني رؤيتك كثيرا. آمل أنك أوليت قدرا من الرعاية؟» «كما ترى. كان ستاوتن كفئا في ذلك كعادته، وقد قابلت الكولونيل فيتزويليام. وبعد تحيتي قال إنه سيستغل حضوري في السير بجواده قليلا؛ وراودني شعور أنه يجد القعود حبيس المنزل أمرا مثيرا للملل بعض الشيء. وقد رحبت السيدة رينولدز القديرة بي أيضا وطمأنتني أن حجرتي المعتادة دائما ما تكون جاهزة لاستقبالي.» «متى وصلت يا سيدي؟» «قبل 40 دقيقة. لقد استأجرت عربة خفيفة. وتلك ليست هي الطريقة المريحة كثيرا للسفر لمسافة بعيدة؛ فقد كنت أنوي السفر بالعربة الكبيرة. لكن السيدة بينيت اشتكت من أنها في حاجة إليها كي تنقل أحدث أخبار موقف ويكهام المؤسف إلى السيدة فيليبس وعائلة لوكاس والكثير من العائلات الأخرى المهتمة بالأمر في ميريتون. فأن تستخدم في ذلك عربة مستأجرة يعد أمرا مهينا ليس لها فقط، وإنما للأسرة كلها. وحيث إنني سأتركها في هذا الوقت العصيب فلم يكن بإمكاني أن أحرمها من مزيد من الارتياح؛ العربة الكبيرة لدى السيدة بينيت. وليس لدي رغبة في أن أكون سببا في القيام بالمزيد من الأعمال بزيارتي المفاجئة هذه، لكنني فكرت أنك ستسر بوجود رجل آخر في المنزل حين تكون مشغولا مع الشرطة أو عندما تكون مهتما بتوفير الراحة لويكهام. وقد أخبرتني إليزابيث في خطابها أنه من المرجح أن يعود الكولونيل عما قريب لأداء مهامه العسكرية وأن يعود ألفيستون الشاب إلى لندن.»
قال دارسي: «سيرحلون بعد التحقيق الذي سمعت يوم الأحد أنه سيعقد غدا. إن وجودك هنا يا سيدي سيكون عونا للسيدات ومطمئنا لي. لا بد أن الكولونيل فيتزويليام قد أطلعك على وقائع إلقاء القبض على ويكهام.» «لقد أطلعني بإيجاز، لكن لا شك أنه كان دقيقا. كان يبدو عليه أكثر أنه يقدم لي تقريرا عسكريا. حتى إنني كدت أشعر بإلزام لإعطائه التحية العسكرية. في اعتقادي أن إعطاءه التحية العسكرية كان هو التعبير الصحيح، لكنني لا أتمتع بأي خبرة في الأمور العسكرية. ويبدو أن زوج ليديا تمكن في آخر أعماله تلك من الجمع بين الترفيه على العامة، ووضع أسرته في أقصى قدر من الحرج. لقد أخبرني الكولونيل أنك كنت في لامتون لزيارة السجين. فكيف وجدته؟» «بصحة جيدة. والتباين بين مظهره الحالي ومظهره في اليوم التالي لوقوع الاعتداء واضح جدا، لكنه حينها بالطبع كان تحت وطأة الشراب والصدمة. وقد استعاد شجاعته وهيئته المعهودة كلتيهما. وهو متفائل بشدة بما سيئول إليه التحقيق، ويعتقد ألفيستون أن لديه سببا وجيها يدفعه لذلك. فغياب سلاح الجريمة في صالحه بكل تأكيد.»
ثم جلس الرجلان. ورأى دارسي أن عيني السيد بينيت تشردان تجاه جريدة «إدنبرة ريفيو»، لكنه قاوم الرغبة في إكمال القراءة. وقال: «أتمنى لو قرر ويكهام كيف يريد أن ينظر العالم إليه. ففي مدة زواجه كان ملازما في الجيش، ويتسم بالاستهتار، لكنه كان جذابا، وقد أظهر الحب لنا جميعا، فكان يبتسم وكأنه يجني ثلاثة آلاف في العام ويمتلك منزلا رائعا. وفيما بعد، وبعد أن حصل على ترقيته، تحول إلى رجل كثير الأفعال وإلى بطل شعبي، وكان هذا التغير بالطبع نحو الأحسن، وكان مقبولا كثيرا لدى السيدة بينيت. والآن نتوقع أن نراه كشرير ومتهم بجريمة نكراء وعرضة لاحتمالية أن ينتهي الأمر بأن يصبح فرجة للجميع، رغم أنني آمل ألا يحدث هذا. كان ويكهام دائما ما يسعى للشهرة السيئة السمعة، لكن في اعتقادي أن آخر ما تبقى من ماء وجهه أصبح مهددا الآن، وهو ما لا يرغب فيه. لا يمكنني أن أصدق أنه مذنب في جريمة قتل. فالجنح التي اقترفها، ورغم أنها تسببت في الأذى والضرر لضحاياه، فإنها - على حد علمي - لم تكن تشتمل على عنف مورس ضده أو مارسه ضد الآخرين.»
Página desconocida