Posición ante la metafísica
موقف من الميتافيزيقا
Géneros
8
من ذلك ترى أن الاختلاف بين الناس يكون أحد ضربين؛ فهو إما اختلاف على وصف أمر وتفسيره وصفا وتفسيرا يراد بهما مطابقة الواقع الخارجي، وهذا هو ما أطلقنا عليه اسم «اختلاف الرأي»، وإما أن يكون اختلافا في الميول والأهواء، وعندئذ لا يكون ثمة سبيل إلى الاتفاق، إلا أن يكره أحد المختلفين على قبول أمر لم يكن يرضاه، وليس الإكراه اتفاقا بالمعنى الصحيح.
وقد يحدث أحيانا أن يكون الاختلاف القائم اختلافا في الرأي، ويظن خطأ أنه اختلاف في الهوى، أو أن يكون الاختلاف القائم اختلافا في الأهواء فيظن خطأ أنه اختلاف في الرأي، ويهمنا أن نزيد الأمر هنا وضوحا، لما يلقيه من ضوء على النتائج التي نريد أن ننتهي إليها.
افرض - مثلا - أن رجلين اختلفا فيما بينهما على نتيجة انتخاب قبل حدوثه، فقال أحدهما: إن أكثرية الأصوات ستختار فلانا للرئاسة، وقال الآخر: بل إن الأكثرية ستختار شخصا آخر، فأي ضرب من ضربي الاختلاف السالفين يكون هذا؟ أهو اختلاف في الرأي أم اختلاف في الميول والأهواء؟ الجواب: هو أنه اختلاف في الرأي عن ميول الناس وأهوائهم، أي إنه اختلاف في الرأي، لا في الميل بين الرجلين، إذ قد يكون الرجلان هنا من ميل واحد.
ومن هذا المثل البسيط تستطيع أن ترى خطأ نظرية في القيم الأخلاقية والمالية، عبر عنها الأستاذ «رتشاردز» في كتابه المشهور عن أصول النقد الأدبي،
9
إذ يعرف القيمة - سواء أكانت قيمة أخلاقية أم جمالية - بأنها ما يشبع في الإنسان رغبة دون أن يتضمن هذا الإشباع وأدا لرغبة أخرى تساويها أو تزيد عليها، فيمكن القول بصفة عامة: إن «س لها عندي قيمة» [قيمة أخلاقية أو جمالية] معناها «س تشبع من رغباتي أكثر مما تئد.»
فماذا لو اختلف شخصان في قيمة «س» بالنسبة لسائر الناس؟ أعني أن أحدهما يقول عنها: إنها مما تقبله الأخلاق، أو مما تقبله معايير الجمال عند الناس، على حين يقرر الثاني عكس ذلك، أيكون هذا اختلافا في الرأي أم اختلافا في الهوى؟ الجواب هو أنه اختلاف بينهما في الرأي عن أهواء الناس وميولهم، هو اختلاف أقرب جدا إلى ما يقع بين العلماء من تباين في الآراء؛ ذلك لأن اختلاف الرجلين هنا مرجعه إلى علم النفس، فعلم النفس هو الذي سيقرر لنا الحقيقة عن ميول الناس وأهوائهم، إن كانت تقبل «س» أو ترفضها، وبالتالي هو الذي يقرر أي الرجلين كان على صواب.
أما إذا اختلف الرجلان على قيمة «س» اختلافا يعبر كل منهما فيه عن ذات نفسه هو، بحيث قبلها واحد ورفضها الآخر، فها هنا يكون اختلافا صريحا بين الرجلين في الهوى.
وما موقع هذا الكلام كله فيما نحن بصدده؟ موقعه هو أن الناطق بعبارة أخلاقية أو جمالية، إذا أراد أن يعبر بها عن ذات نفسه هو، وما يقبله وما يرفضه، فهي ليست مما يجوز لغيره أن يناقشه فيه، إذ لا يكون ثمة بين المتناقشين ما يحسم بينهما الخلاف، وبالتالي تكون عبارته مرفوضة عند المنطق؛ لأن المنطق لا يقبل إلا عبارة يجوز وصفها عند سامعها بالصدق أو بالكذب، وبالطبع لا يكون هذا الوصف بالصدق أو بالكذب لعبارة إلا إذا كان هنالك مرجع موضوعي نرتد إليه في الحكم، أما إذا أراد الناطق بعبارة أخلاقية أو جمالية أن يصف ميول الناس وأهواءهم، فعندئذ يكون كلامه مقبولا ولا غبار عليه؛ لأننا نستطيع في هذه الحالة أن نرجع إلى علم من العلوم الطبيعية - هو علم النفس - لنرى هل تدل نتائجه التي وصل إليها في بحثه عن ميول الناس وأهوائهم على أنها متفقة مع ما زعم القائل أو لا تدل على ذلك.
Página desconocida