Posición ante la metafísica
موقف من الميتافيزيقا
Géneros
ونقول: إن كل قضية - مهما تكن - يمكن ردها إلى قضية - أو مجموعة قضايا - أولية، فإذا استحال علينا ذلك، كانت القضية المزعومة قد أشبهت القضية وليست بالقضية حقا، أعني أنها كلام فارغ من المعنى، خدعنا بكونه يشبه الكلام المفهوم، فقولنا «البرتقال أصفر» يمكن ردها إلى جملة قضايا أولية، كل منها يتحدث عن برتقالة بذاتها معينة: «البرتقالة 1 صفراء» و«البرتقالة 2 صفراء» و«البرتقالة 3 صفراء» ... وهكذا، حين تكون البرتقالات 1، 2، 3 ... مما يمكن أن يشار إليه في مكان معين لتقع صورتها على عين الرائي.
ويجمل بنا في هذا الموضع أن نعيد ما ذكرناه في موضع سابق عن اللغة التي نتكلمها أو نكتبها، من حيث انقسام الألفاظ قسمين: ألفاظ هي أسماء لأشياء، وألفاظ بنائية تعمل على تكوين العبارة اللغوية دون أن تكون أسماء لأي شيء.
أي كلام تكتبه أو تقوله هو مجموعة رموز، فإن كان الكلام مكتوبا كانت الرموز تخطيطا على ورق أو خشب أو ما شئت - تخطيطا تقع صورته على عين الرائي - وإن كان منطوقا كانت الرموز موجات صوتية تبلغ أذن السامع، فكيف يكون لهذه الرموز معنى؟
انظر إلى هذه الجملة: «الكتاب بين الدواة والقلم.» فلاحظ أولا أنها تتألف من خمس كلمات: «الكتاب» «بين» «الدواة» «و» «القلم»، من هذه الكلمات الخمس اثنتان لا ترمزان إلى أشياء في العالم الخارجي، وهما كلمتا «بين» و«و»، فليس هنالك «شيء» اسمه «بين» ولا شيء اسمه «و»، في هذه الحالة التي أصفها بعبارتي السالفة، عدد الأشياء ثلاثة، هي: (1) كتاب. (2) دواة. (3) قلم.
ولذلك تراهم يفرقون في ألفاظ اللغة - منطقيا - بين ما يسمى بالكلمات الشيئية، وما يسمى بالكلمات البنائية، الأولى أسماء الأشياء، وأما الثانية فلا تسمي شيئا، إنما هي تربط وتبني الأسماء في كتلة يكون لها معنى وتتكون منها صورة.
ونعود فنسأل: كيف تكتسب الأسماء معناها ؟ الأسماء رموز مرقومة على ورق أو خشب أو غيرها، أو موجات صوتية يهتز بها الهواء، فكيف يكون لهذه الرموز معناها؟ لاحظ جيدا أن الكلمات ليست هي الأشياء، إن كلمة «كتاب» ليست هي الكتاب الذي هو شيء يحمل ويوزن ويقذف به ويقرأ ويمزق، وكلمة «قلم» ليست هي القلم الذي تحفظه في مكتبك وتملؤه بالمداد وتكتب به وتحاول إصلاحه إذا فسد، وهكذا.
ليست الكلمة هي الشيء، إنما هي ترمز للشيء أو تمثله أو تشير إليه أو تدل عليه، فكيف أتيح لها أن تفعل ذلك؟ الجواب على ذلك غاية في اليسر، على الرغم مما تعقد به الموضوع من أبحاث كثيرة يكتنفها الخلط والغموض، تكتسب الكلمة قدرتها على الدلالة بعملية الربط الذي هو من طبيعة الإنسان - بل والحيوان - كما يسجلها عالم النفس في ملاحظاته وتجاربه، أرى شيئا بعيني ويقال لي «كتاب»، فيرتبط المرئي بالمسموع ربطا يجعل الواحد قادرا على اجتلاب الآخر في الذهن، فإذا سمعت صوت كلمة «كتاب» منطوقة، ارتسمت لدي صورة الكتاب كما رأيته، فإن كنت قد رأيت كثيرا من الكتب، فإن صورة واحدة منها، أو عدة صور متداخلة مهوشة، سترتسم نتيجة لسمعي كلمة «كتاب»، وكذلك قل في الكلمة وهي مكتوبة، هنا يرتبط مرئي بمرئي، فإذا رأيت المرئي «كتاب» مرقومة على الورق، جاءتني صورة الكتاب كما وقع لي في خبرتي.
21
والصوت المنطوق أو الرسم المرقوم يكون غير ذي معنى، إذا لم يكن قد ارتبط عندي بشيء، من أجل هذا لا أفهم الصيني وهو يتكلم، ويفهمه صيني مثله؛ لأن أصواته لم ترتبط عندي بأشياء، وارتبطت عند زميله، وقد أرى الكلمة فلا أفهم لها معنى، ثم يشار لي إلى مدلولها، فتبدأ الكلمة في اكتساب معناها، وإذا صادفتها بعدئذ عرفت مدلولها.
وليست مهمة القواميس في شرح الكلمات إلا هذه؛ تصادفك الكلمة فلا تفهم إلى ماذا ترمز، فتبحث عنها في القاموس، فتجد إلى جانبها ترقيما على الورق، تفهمه إذا كان قد سبق لك أن ربطته بشيء، وعندئذ تأخذ في ربط الكلمة الأولى التي كانت مجهولة المعنى بهذا الشيء نفسه، أما إذا وجدت الترقيم الآخر هو نفسه غريبا عليك، أي لم تجده مما كنت في خبرتك السابقة قد ربطته بمسماه، فستظل الكلمة التي تبحث عن معناها مجهولة المعنى.
Página desconocida