Posición ante la metafísica
موقف من الميتافيزيقا
Géneros
ونحن إزاء ذلك نقول: إن اعتراضنا على العبارات الميتافيزيقية لا يقوم على أساس خطئها في ذاتها أو خطأ منهجها أو صوابه، بل يقوم على أساس أنها ليست بذات معنى من الوجهة المنطقية، فهي إذن ليس مما يوصف بصدق ولا بكذب، لقد سبق «كانت» إلى القول باستحالة الميتافيزيقا، لكنه بنى تلك الاستحالة على أساس آخر، إذ بناها على أساس أن العقل البشري بحكم طبيعته لا يستطيع الحكم إلا على ظواهر الأشياء، وأنه إذا ما غامر في مجال «الأشياء في ذاتها» وقع في المتناقضات، وعلى ذلك فاستحالة المعرفة الميتافيزيقية في رأي «كانت» حقيقة واقعة، وليست هي بالاستحالة المنطقية كما يرى المذهب الوضعي المنطقي، هي عند «كانت» حقيقة واقعة بمعنى أنه لو كان الإنسان على غير ما هو عليه في إدراكه الأشياء، لأمكن ألا تكون المعرفة الميتافيزيقية مستحيلة، هي مستحيلة الآن؛ لأن العقل الإنساني لم يخلق لإدراكها، كما لم تخلق العين لسماع الأصوات، أما أصحاب المذهب الوضعي المنطقي - أو التجريبيون العلميون كما يسمون أنفسهم أحيانا - فيبنون استحالة الميتافيزيقا على أساس أن كلامها فارغ من المعنى، إنه لا يدل على شيء حيث يجوز لنا أن نقول هل يمكن للإنسان حقا أن يدرك هذا الشيء أو لا يدركه؟
خذ مرة أخرى عبارة برادلي بأن «المطلق يدخل في تطور العالم وتقدمه، لكنه هو نفسه لا يطرأ عليه تطور أو تقدم.» هذا الكلام مستحيل قوله في رأي «كانت» كما هو مستحيل قوله في رأي الوضعيين المنطقيين، أما «كانت» فيرى أن استحالته راجعة إلى أن العقل لم يخلق بحيث يستطيع أن يدرك «المطلق» إدراكا يمكنه من الحكم عليه بهذه الصفة أو بتلك، وأما الوضعيون المنطقيون فيقولون إن هذا الكلام مستحيل قوله؛ لأنه فارغ بغير معنى، هل إذا قلت لك: «إن الإسكبرانوس يدخل في تطور العالم وتقدمه» حين يكون الإسكبرانوس رمزا ملفقا لا معنى له، جاز لك أن تقول: إن عقلي لم يخلق بحيث يستطيع إدراك «الإسكبرانوس» فيحكم عليه؟ كلا، فالاستحالة هنا مرجعها أنني حدثتك بأصوات فارغة خالية من الدلالة، ومن ثم وجب حذفها من نطاق الكلام المقبول.
إنك إذا زعمت للعقل الإنساني حدا لا يستطيع أن يتجاوزه، ثم زعمت في الوقت نفسه بأن وراء ذلك الحد «أشياء» هي فوق إدراكه، كنت تناقض نفسك بنفسك؛ لأن اعترافك بوجود تلك «الأشياء» وراء الحد المزعوم، هو في ذاته دليل على عبورك إلى المنطقة المحرمة، فمثل هذا النقد - إذن - نوجهه إلى «كانت» الذي جعل استحالة المعرفة الميتافيزيقية مسألة سيكولوجية لا مسألة منطقية، إنه يجعل الاستحالة متوقفة على قدرة العقل وعدم قدرته، أما الوضعيون المنطقيون فرأيهم في هذه الاستحالة أنها قائمة على أن ما تقوله الميتافيزيقا يفقد شروط اللغة التي يمكن فهمها، «إن الاتهام الذي نوجهه للميتافيزيقي، ليس هو أنه يحاول استخدام العقل في مجال يستحيل عليه أن يغامر فيه مغامرة مجدية، بل هو أنه يقدم لنا عبارات لا تحقق الشروط التي لا بد من توافرها لكي تكون العبارة ذات معنى.»
11
وللدكتور «بارنز»
12
في هذه النقطة دفاع يجدر بنا إثباته لنرد عليه، يقول: «يزعمون أحيانا أن الميتافيزيقا هي خطأ في استخدام اللغة، وذلك شبيه بقولك عن فن التصوير: إنه وضع للطلاء في غير ما خلق له، نعم إنك إذا نظرت إلى العبارة اللغوية على أنها تصور العالم، كانت الميتافيزيقا تخطئ في استخدام اللغة؛ [لأنها لا تصور شيئا منه] لكنها باعترافها تحاول شيئا آخر غير تصوير العالم، وهو أن نقرر وجهة نظر أخرى غير مجرد التصوير الحرفي، وإذن فما يسمونه استعمالا خاطئا للغة، هو في الحقيقة استعمال جديد لها.»
ونحن نوافق الدكتور «بارنز» على قوله هذا، لكننا نخلص منه إلى غير النتيجة التي خلص إليها، فهو يريد الإبقاء على الميتافيزيقا؛ لأنها «تثبت وجهة نظر أخرى» غير التصوير، ونحن نريد إلغاءها؛ لأنها إذا لم تصور شيئا في الطبيعة، فليس هناك إذن ما ينظر إليه من هذه «الوجهة للنظر» التي اختارتها لترى منها ما تراه، أريد أن أقول إنها إذا لم تصور شيئا من العالم، فهي كلام فارغ من المعنى، اللهم إلا إذا أراد بها قائلها أن يصف وجدانا خاصا به كما يفعل الشاعر مثلا، وعندئذ تخضع عباراتها لمقاييس الفن لا لمقاييس المنطق، فمقاييس الفن تحكم على الكلام بالجمال أو القبح لا بالصدق أو الكذب، أعني أن الميتافيزيقي إذا أراد أن يكون كلامه من قبيل الآثار الفنية التي تعجب أو لا تعجب فهو ليس بحاجة إلى إقامة برهان على صدق ما يقوله، بمعنى الصدق في لغة المنطق، لكننا نرى الميتافيزيقيين حريصين على أمثال هذه البراهين العقلية على ما يقولون، وإذن فهم لا يريدون إلى الفن حين يتحدثون، بل يحسبون أنهم يتكلمون كما يتكلم العلماء الذين يتصدون لوصف العالم وما فيه، ومن هنا وجب عليهم أن يخضعوا لما يخضع له العلماء من حيث صدق التصوير.
5
إن كانت دعوى المتكلم بجملة هي أنه يفيدك علما جديدا عن العالم في جملته أو في تفصيلة من تفصيلاته أو فيما شاء من أجزائه، فالمقياس الذي لا مقياس سواه لقبول كلامه، هو أن يكون ممكن التحقيق في حدود الخبرة الحسية، ونقول «ممكن التحقيق»، ولا نقول عن هذا التحقيق إنه لا بد أن يقع فعلا؛ ذلك لأن الكلام قد نقبله من الناحية المنطقية قبل أن نهم في تحقيقه فعلا، ما دمنا ندرك فيه إمكان التحقيق.
Página desconocida