Posición ante la metafísica
موقف من الميتافيزيقا
Géneros
الذي قال عن أهل بلده إقريطش (جزيرة كريت) إنهم جميعا كذابون، لكن القائل نفسه هو أحد سكان بلده، وإذن فهو كذاب، وقوله هذا كاذب، وإذن فنقيضه صادق، وهو أن أهل إقريطش صادقون، والقائل واحد منهم، إذن فهو صادق، وإذن فقوله الأول بأن أهل إقريطش كذابون قول صادق، فمن ذلك يتبين أن ذلك القول الأول قد وصفناه بالكذب وبالصدق معا، وهذا تناقض، ومن ثم يكون الإشكال الذي تتحدث عنه كتب المنطق بمناسبة هذه القصة.
فأين مصدر الخطأ هنا؟ مصدره هو أننا جعلنا دالة القضية قيمة لنفسها، فالقول الأصلي الذي قاله الرجل عن أهل بلده، وهو أنهم كذابون، يمكن تحليله إلى دالة القضية الآتية: «س عبارة قالها رجل من أهل إقريطش، فهي عبارة كاذبة»، فإذا أحللنا هذا القول نفسه مكان «س»، كنا بمثابة من جعل دالة القضية قيمة لمجهولها، وهو ما حرمناه، لك أن تضع مكان «س» أي قول آخر مما يقوله أهل إقريطش إلا هذا القول؛ لأنه هو الدالة أو الصورة الفارغة أو القالب الذي أعد لغيره كي يوضع فيه، أما القالب نفسه فلا يصب في نفسه.
إذا لم نراع هذا المبدأ، نشأ ما يسميه «وايتهد» و«رسل» - في كتاب البرنكبيا - «مجموعات غير مشروعة»، أي إننا نعتبر مجموعة ما ليس بمجموعة إطلاقا، ثم نمضي في الحديث على هذا الأساس فيكون الخطأ.
إن من مبادئ المذهب الوضعي المنطقي أن يفرق بين القضية التحليلية (كقضايا الرياضة) والقضية التركيبية (كقضايا العلوم الطبيعية)؛ ليجعل لكل منهما معيارا للصدق يختلف عن معيار الأخرى، فإذا لم تكن الجملة تحليلية ولا تركيبية، قلنا عنها إنها كلام فارغ من المعنى، لا يخضع لمعايير الصدق في صورتيه. فها هنا ترى كثيرا من الناقدين يتوجهون بالنقد الآتي إلى المذهب الوضعي المنطقي، يقولون: لكن قولكم هذا نفسه ما هو؟ أتحليلي هو كقضايا الرياضة، أم تركيبي كقضايا العلوم الطبيعية؟ إنه لا هذا ولا ذاك، وإذن فهو بحكم مبدئكم نفسه كلام فارغ من المعنى، وإنا لنعجب أن نرى بين القائلين بمثل هذا الاعتراض الأستاذ «بوبر» وهو المنطقي النابه، إذ يقول في ذلك ما يأتي: إن قول الوضعيين المنطقيين بأنه يستحيل وجود عبارات إلى جانب تلك التي تعبر عن حقائق العلوم الطبيعية وتلك التي تعبر عن الرياضة والمنطق، هذا القول في حد ذاته لا هو يعبر عن حقيقة من حقائق العلوم الطبيعية، ولا هو من قضايا الرياضة أو المنطق، وإذن فما أشبهه بمشكلة الكذاب [يقصد مشكلة إبمنديز التي ذكرناها توا].
41
ومصدر خطأ هؤلاء الناقدين هو أنهم يضعون دالة القضية معلوما لمجهول نفسها، كما شرحنا في المثل السابق، وهو ما لا يجوز؛ لأنه يتضمن خلطا في الأنماط المنطقية إذ نضع نمطا من القول مكان نمط آخر، ولزيادة التوضيح، افرض أن أمامك على الصحيفة عشرين جملة مكتوبة باللغة الإنجليزية، فقلت عنها جملة عربية هي: «كل الجمل على هذه الصحيفة مكتوبة بالإنجليزية»، ثم تقدم لك ناقد بقوله: لكن جملتك الإضافية هذه ليست مكتوبة بالإنجليزية، فماذا أنت قائل له؟ ستقول له بالكلام اليومي المألوف: إن هذه الجملة العربية تحكم على غيرها ولا تحكم على نفسها، وهذا نفسه ما نحن قائلوه الآن بلغة الاصطلاح المنطقي عند «رسل»، وهو أن دالة القضية لا يجوز أن تكون قيمة لمجهول نفسها، أو بصورة أخرى: إنه إذا اقتضى مجهول ما في دالة قضية قيمة من نمط معين، فلا يجوز أن نضع قيمة له من نمط آخر.
إن جملتك العربية التي أضفتها لتصف سائر الجمل، فقلت فيها «كل الجمل على هذه الصحيفة مكتوبة بالإنجليزية» هي تعميم لأفراد، لكنها هي نفسها من نمط آخر؛ لأنها دالة على فئة، وليست فردا من الأفراد، فإذا كانت الدالة هي «س جملة مكتوبة بالإنجليزية»، فالقيمة التي ينتظر أن تملأ مكان «س» هي فرد، ولو وضعنا القيمة فئة، خلطنا بين الأنماط المنطقية، ووقعنا في الخطأ.
ونلخص الموقف السالف فنقول: إذا كانت لدينا مجموعة من مفردات جمعناها في فئة واحدة، فلا يجوز أن نعتبر الفئة كأنما هي عضو بين سائر المفردات الأعضاء، فمثلا إذا جمعت القضايا المنطقية كلها في حكم واحد (أي في فئة واحدة)، وقلت عنها هذه العبارة الآتية: «كل قضية إما أن تكون صادقة أو كاذبة»، فلا يجوز بعد ذلك أن أقول عن هذه العبارة الأخيرة نفسها إنها قضية من القضايا التي تكون إما صادقة أو كاذبة، وإلا فلو فعلت ذلك، كنت كمن ينظر إليها نظرته إلى أية قضية أخرى مما تجمع فيها من قضايا.
وما مؤدى هذا الكلام؟ مؤداه أنه لا يجوز التحدث عن هذه العبارة الكلية: «كل قضية إما أن تكون صادقة أو كاذبة»، وكل حديث عنها هو من قبيل الكلام الفارغ من المعنى، إذ ماذا عساك قائل فيها ما دام محرما عليك منذ البداية أن تصفها حتى بمجرد كونها صادقة أو كاذبة؟ إنك تتحدث عن حكم من الأحكام إذا جاز لك أن تناقش صدقه، أما إذا لم يجز لك ذلك، فقد امتنعت كل سبيل أمامك للكلام المفيد.
إننا إذا أضفنا الرمز الدال على المجموعة كلها إلى أفراد المجموعة، تكون لنا بذلك ما يسميه «وايتهد» و«رسل» «مجموعة غير مشروعة»، أي إنها ليست مجموعة بالمعنى المفهوم لسائر المجموعات، وذلك يقتضي استحالة أن نقول شيئا عن «كل أعضائها»، خذ هذا المثل الآتي - وهو مأخوذ من كتاب البرنكبيا: «كان لنابليون كل خصائص الرجل العظيم.» فهل نعد هذا القول نفسه صفة من الصفات التي يتصف بها نابليون، فتكون في مستوى واحد مع بقية صفاته مثل الشجاعة وبعد النظر ... إلخ التي يتحلى بها القائد العظيم؟ كلا؛ لأنها صفة من نمط أعلى من سائر الصفات، بل قل إنها ليست صفة على الإطلاق، إنما هي عبارة تجمع سائر الصفات في فئة، فلا يجوز لنا أن نعد الفئة المتجمعة فردا من أفرادها كأي عضو آخر، فإن جاز لك أن تتحدث عن شجاعة نابليون، أو عن بعد نظره، فلا يجوز لك أن تتحدث عن «كل صفاته» جملة واحدة؛ لسبب بسيط، وهو أن «كل الصفات» ليس صفة من الصفات، إنه رمز يجمع بقية الرموز، لكنه هو نفسه لا يرمز في العالم الواقع إلى شيء.
Página desconocida