Exhortación a los creyentes de Revivificación de las Ciencias de la Religión
موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين
Investigador
مأمون بن محيي الدين الجنان
Editorial
دار الكتب العلمية
كِتَابُ أَسْرَارِ الطَّهَارَةِ
قَالَ تَعَالَى: (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) [الْمَائِدَةِ: ٦] وَقَالَ تَعَالَى: (فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) [التَّوْبَةِ: ١٠٨] .
وَقَالَ ﷺ: «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطَّهُورُ» وَعَنْهُ «بُنِيَ الدِّينُ عَلَى النَّظَافَةِ» فَفَطِنَ ذَوُو الْبَصَائِرِ بِهَذِهِ الظَّوَاهِرِ أَنَّ أَهَمَّ الْأُمُورِ تَطْهِيرُ السَّرَائِرِ إِذْ يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ ﷺ: «الطَّهُورُ نِصْفُ الْإِيمَانِ» عِمَارَةُ الظَّاهِرِ بِالتَّنْظِيفِ بِإِفَاضَةِ الْمَاءِ وَإِلْقَائِهِ وَتَخْرِيبِ الْبَاطِنِ وَإِبْقَائِهِ مَشْحُونًا بِالْأَخْبَاثِ وَالْأَقْذَارِ، هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ. وَالطِّهَارَةُ لَهَا أَرْبَعُ مَرَاتِبَ.
الْمَرْتَبَةُ الْأُولَى: تَطْهِيرُ الظَّاهِرِ عَنِ الْأَحْدَاثِ وَعَنِ الْأَخْبَاثِ وَالْفَضَلَاتِ.
الْمَرْتَبَةُ الثَّانِيَةُ: تَطْهِيرُ الْجَوَارِحِ عَنِ الْجَرَائِمِ وَالْآثَامِ.
الْمَرْتَبَةُ الثَّالِثَةُ: تَطْهِيرُ الْقَلْبِ عَنِ الْأَخْلَاقِ الْمَذْمُومَةِ وَالرَّذَائِلِ الْمَمْقُوتَةِ.
الْمَرْتَبَةُ الرَّابِعَةُ: تَطْهِيرُ السِّرِّ عَمَّا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ طَهَارَةُ الْأَنْبِيَاءِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - وَالصَّدِيقِينَ. وَلَنْ يَنَالَ الْعَبْدُ الطَّبَقَةَ الْعَالِيَةَ إِلَّا أَنْ يُجَاوِزَ الطَّبَقَةَ السَّافِلَةَ، فَلَا يَصِلُ إِلَى طِهَارَةِ السِّرِّ عَنِ الصِّفَاتِ الْمَذْمُومَةِ وَعِمَارَتِهِ بِالْمَحْمُودَةِ مَا لَمْ يَفْرَغْ مِنْ طِهَارَةِ الْقَلْبِ عَنِ الْخُلُقِ الْمَذْمُومِ وَعِمَارَتِهَا بِالْخُلُقِ الْمَحْمُودِ، وَلَنْ يَصِلَ إِلَى ذَلِكَ مَنْ لَمْ يَفْرَغْ مِنْ طِهَارَةِ الْجَوَارِحِ عَنِ الْمَنَاهِي وَعِمَارَتِهَا بِالطَّاعَاتِ، وَكُلَّمَا عَزَّ الْمَطْلُوبُ وَشَرُفَ صَعُبَ مَسْلَكُهُ وَكَثُرَتْ عَقَبَاتُهُ، فَلَا تَظُنُّ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ يُدْرَكُ بِالْمُنَى وَيُنَالُ بِالْهُوَيْنَا. نَعَمْ مَنْ عَمِيَتْ بَصِيرَتُهُ عَنْ تَفَاوُتِ هَذِهِ الطَّبَقَاتِ لَمْ يَفْهَمْ مِنْ مَرَاتِبِ الطَّهَارَةِ إِلَّا الدَّرَجَةَ الْأَخِيرَةَ الَّتِي هِيَ كَالْقِشْرَةِ الْأَخِيرَةِ الظَّاهِرَةِ بِالْإِضَافَةِ إِلَى اللُّبِّ الْمَطْلُوبِ، فَصَارَ يُمْعِنُ فِيهَا وَيَسْتَوْعِبُ جَمِيعَ أَوْقَاتِهِ فِي الِاسْتِنْجَاءِ وَغَسْلِ الثِّيَابِ وَتَنْظِيفِ الظَّاهِرِ وَطَلَبِ الْمِيَاهِ الْجَارِيَةِ الْكَثِيرَةِ، ظَنًّا مِنْهُ بِحُكْمِ الْوَسْوَسَةِ وَتَخَبُّلِ الْعَقْلِ أَنَّ الطَّهَارَةَ الْمَطْلُوبَةَ الشَّرِيفَةَ هِيَ هَذِهِ فَقَطْ، وَجَهَالَةً بِسِيرَةِ الْأَوَّلِينَ وَاسْتِغْرَاقِهِمْ جَمِيعَ الْهَمِّ وَالْفِكَرِ فِي تَطْهِيرِ الْقَلْبِ وَتَسَاهُلِهِمْ فِي أَمْرِ الظَّاهِرِ، حَتَّى إِنَّ عُمَرَ ﵁ مَعَ عُلُوِّ مَنْصِبِهِ تَوَضَّأَ مِنْ مَاءٍ
1 / 20