Exhortación a los creyentes de Revivificación de las Ciencias de la Religión

Ibn Muhammad Jamal Din Qasimi d. 1332 AH
133

Exhortación a los creyentes de Revivificación de las Ciencias de la Religión

موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين

Investigador

مأمون بن محيي الدين الجنان

Editorial

دار الكتب العلمية

السَّلَفِ لِأَخِيهِ: " اعْلَمْ أَنَّ مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَآثَرَ الدُّنْيَا لَمْ آمَنْ أَنْ يَكُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ مِنَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ". وَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ الْكَاذِبِينَ بِبُغْضِهِمْ لِلنَّاصِحِينَ إِذْ قَالَ: (وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ) [الْأَعْرَافِ: ٧٩] وَهَذَا فِي عَيْبٍ هُوَ غَافِلٌ عَنْهُ، فَأَمَّا مَا يُظْهِرُهُ فَلَا بُدَّ مِنَ التَّلَطُّفِ بِنُصْحِهِ بِالتَّعْرِيضِ مَرَّةً وَالتَّصْرِيحِ أُخْرَى إِلَى حَدٍّ لَا يُؤَدِّي إِلَى الْإِيحَاشِ، فَإِنْ عَلِمْتَ أَنَّ النُّصْحَ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِيهِ وَأَنَّهُ مُضْطَرٌّ مِنْ طَبْعِهِ إِلَى الْإِصْرَارِ عَلَيْهِ فَالسُّكُوتُ عَنْهُ أَوْلَى، وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمَصَالِحِ أَخِيكَ فِي دِينِهِ أَوْ دُنْيَاهُ. أَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِتَقْصِيرِهِ فِي حَقِّكَ فَالْوَاجِبُ فِيهِ الِاحْتِمَالُ وَالْعَفْوُ وَالصَّفْحُ وَالتَّعَامِي عَنْهُ، وَالتَّعَرُّضُ لِذَلِكَ لَيْسَ مِنَ النُّصْحِ فِي شَيْءٍ، نَعَمْ إِنْ كَانَ بِحَيْثُ يُؤَدِّي اسْتِمْرَارُهُ عَلَيْهِ إِلَى الْقَطِيعَةِ فَالْعِتَابُ فِي السِّرِّ خَيْرٌ مِنَ الْقَطِيعَةِ، وَالتَّعْرِيضُ بِهِ خَيْرٌ مِنَ التَّصْرِيحِ، وَالْمُكَاتَبَةُ خَيْرٌ مِنَ الْمُشَافَهَةِ، وَالِاحْتِمَالُ خَيْرٌ مِنَ الْكَلِّ. الْحَقُّ الْخَامِسُ الْعَفْوُ عَنِ الزَّلَّاتِ وَالْهَفَوَاتِ: هَفْوَةُ الصَّدِيقِ إِنْ كَانَتْ فِي دِينِهِ فَلَا بُدَّ مِنَ التَّلَطُّفِ فِي نُصْحِهِ كَمَا قَدَّمْنَا، فَإِنْ أَصَرَّ فَمِنَ السَّلَفِ مَنْ رَأَى مُقَاطَعَتَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى إِدَامَةَ حَقِّ مَوَدَّتِهِ وَبُغْضِ عَمَلِهِ، وَأَمَّا زَلَّتُهُ فِي حَقِّهِ بِمَا يُوجِبُ إِيحَاشَهُ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْأَوْلَى الْعَفْوُ وَالِاحْتِمَالُ، بَلْ كَانَ مَا يَحْتَمِلُ تَنْزِيلُهُ عَلَى وَجْهٍ حَسَنٍ وَيُتَصَوَّرُ تَمْهِيدُ عُذْرٍ فِيهِ قَرِيبٍ أَوْ بَعِيدٍ فَهُوَ وَاجِبٌ بِحَقِّ الْأُخُوَّةِ، فَقَدْ قِيلَ: «يَنْبَغِي أَنْ تَسْتَنْبِطَ لِزَلَّةِ أَخِيكَ سَبْعِينَ عُذْرًا، فَإِنْ لَمْ يَقْبَلْهُ قَلْبُكَ فَرُدَّ اللَّوْمَ عَلَى نَفْسِكَ فَتَقُولُ لِقَلْبِكَ: مَا أَقْسَاكَ يَعْتَذِرُ إِلَيْكَ أَخُوكَ سَبْعِينَ عُذْرًا فَلَا تَقْبَلُهُ فَأَنْتَ الْمَعِيبُ لَا أَخُوكَ» وَقَالَ «الْأَحْنَفُ»: «حَقُّ الصَّدِيقِ أَنْ تَحْتَمِلَ مِنْهُ ثَلَاثًا: ظُلْمُ الْغَضَبِ وَظُلْمُ الدَّالَّةِ وَظُلْمُ الْهَفْوَةِ»، وَمَهْمَا اعْتَذَرَ إِلَيْكَ أَخُوكَ كَاذِبًا كَانَ أَوْ صَادِقًا فَاقْبَلْ عُذْرَهُ، فَالْمُؤْمِنُ إِنْ غَضِبَ فَهُوَ سَرِيعُ الرِّضَاءِ. وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُبَالِغَ فِي الْبَغْضَةِ عِنْدَ الْوَقِيعَةِ، قَالَ تَعَالَى: (عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً) [الْمُمْتَحَنَةِ: ٧] وَقَالَ «عمر» ﵁: «لَا يَكُنْ حُبُّكَ كَلَفًا وَلَا بُغْضُكَ تَلَفًا» . وَهُوَ أَنْ تُحِبَّ تَلَفَ صَاحِبِكَ. الْحَقُّ السَّادِسُ الدُّعَاءُ لِلْأَخِ: فَتَدْعُو لَهُ فِي حَيَاتِهِ وَمَمَاتِهِ بِكُلِّ مَا يُحِبُّهُ لِنَفْسِهِ وَلِأَهْلِهِ وَكُلِّ مُتَعَلِّقٍ بِهِ كَمَا تَدْعُو لِنَفْسِكَ، وَفِي الْحَدِيثِ: «إِذَا دَعَا الرَّجُلُ لِأَخِيهِ فِي ظَهْرِ الْغَيْبِ قَالَ الْمَلَكُ: وَلَكَ مِثْلُ ذَلِكَ» وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ: «دَعْوَةُ الرَّجُلِ لِأَخِيهِ فِي ظَهْرِ الْغَيْبِ لَا تُرَدُّ» . وَكَانَ «أَبُو الدَّرْدَاءِ» يَقُولُ: «إِنِّي لَأَدْعُو لِسَبْعِينَ مِنْ إِخْوَانِي فِي سُجُودِي أُسَمِّيهِمْ بِأَسْمَائِهِمْ» وَكَانَ «محمد بن يوسف الأصفهاني» يَقُولُ: «وَأَيْنَ مِثْلُ الْأَخِ الصَّالِحِ؟ أَهْلُكَ يَقْتَسِمُونَ مِيرَاثَكَ وَيَتَنَعَّمُونَ بِمَا خَلَّفْتَ وَهُوَ مُنْفَرِدٌ

1 / 136