Exhortación a los creyentes de Revivificación de las Ciencias de la Religión

Ibn Muhammad Jamal Din Qasimi d. 1332 AH
120

Exhortación a los creyentes de Revivificación de las Ciencias de la Religión

موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين

Investigador

مأمون بن محيي الدين الجنان

Editorial

دار الكتب العلمية

الْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ الْأَصْلُ التَّحْرِيمُ وَلَكِنْ طَرَأَ مَا أَوْجَبَ تَحْلِيلَهُ بِظَنٍّ غَالِبٍ فَهُوَ مَشْكُوكٌ فِيهِ، وَالْغَالِبُ حِلُّهُ، فَهَذَا يُنْظَرُ فِيهِ فَإِنِ اسْتَنَدَ غَلَبَةُ الظَّنِّ إِلَى سَبَبٍ مُعْتَبَرٍ شَرْعًا فَالَّذِي يُخْتَارُ فِيهِ أَنَّهُ يَحِلُّ وَأَنَّ اجْتِنَابَهُ مِنَ الْوَرَعِ، مِثَالُهُ أَنْ يَرْمِيَ إِلَى صَيْدٍ فَيَغِيبَ ثُمَّ يُدْرِكَهُ مَيِّتًا وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَثَرٌ سِوَى سَهْمِهِ، وَلَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَاتَ بِسَقْطَةٍ أَوْ بِسَبَبٍ آخَرَ فَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ حَلَالٌ لِأَنَّ الْجُرْحَ سَبَبٌ ظَاهِرٌ وَقَدْ تَحَقَّقَ، وَالْأَصْلُ أَنَّهُ لَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، فَطَرَيَانُهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَلَا يُدْفَعُ الْيَقِينُ بِالشَّكِّ. الْقِسْمُ الرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ الْحِلُّ مَعْلُومًا وَلَكِنْ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ طَرَيَانٌ مُحَرِّمٌ بِسَبَبٍ مُعْتَبَرٍ فِي غَلَبَةِ الظَّنِّ شَرْعًا فَيَرْفَعُ الِاسْتِصْحَابَ وَيَقْضِي بِالتَّحْرِيمِ، مِثَالُهُ أَنْ يُؤَدِّيَ اجْتِهَادُهُ إِلَى نَجَاسَةِ أَحَدِ الْإِنَاءَيْنِ بِالِاعْتِمَادِ عَلَى عَلَامَةٍ مُعَيَّنَةٍ تُوجِبُ غَلَبَةَ الظَّنِّ فَتُوجِبُ تَحْرِيمَ شُرْبِهِ كَمَا تُوجِبُ مَنْعَ الْوُضُوءِ بِهِ. الْمَثَارُ الثَّانِي: شَكٌّ مَنْشَؤُهُ الِاخْتِلَاطُ: وَذَلِكَ بِأَنْ يَخْتَلِطَ الْحَرَامُ بِالْحَلَالِ وَيَشْتَبِهَ الْأَمْرُ وَلَا يَتَمَيَّزَ. وَالْخَلْطُ أَنْوَاعٌ: نَوْعٌ يَقَعُ بِعَدَدٍ مَحْصُورٍ كَمَا لَوِ اخْتَلَطَتْ مَيْتَةٌ بِذَكِيَّةٍ أَوْ بِعَشْرٍ مُذَكَّاةٍ أَوِ اخْتَلَطَتْ رَضِيعَةٌ بِعَشْرِ نِسْوَةٍ فَهَذِهِ شُبْهَةٌ يَجِبُ اجْتِنَابُهَا بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ لَا مَجَالَ لِلِاجْتِهَادِ وَالْعَلَامَاتِ فِي هَذَا، وَإِذَا اخْتَلَطَتْ بِعَدَدٍ مَحْصُورٍ صَارَتِ الْجُمْلَةُ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ فَتَقَابَلَ فِيهِ يَقِينُ التَّحْرِيمِ وَالتَّحْلِيلِ فَضَعُفَ الِاسْتِصْحَابُ، وَجَانِبُ الْحَظْرِ أَغْلَبُ فِي نَظَرِ الشَّرْعِ فَلِذَلِكَ تَرَجَّحَ. وَنَوْعٌ يَقَعُ فِيهِ حَرَامٌ مَحْصُورٌ بِحَلَالٍ غَيْرِ مَحْصُورٍ كَمَا لَوِ اخْتَلَطَتْ رَضِيعَةٌ أَوْ عَشْرُ رَضَائِعَ بِنِسْوَةِ بَلَدٍ كَبِيرٍ فَلَا يَلْزَمُ بِهَذَا اجْتِنَابُ نِكَاحِ أَهْلِ الْبَلَدِ بَلْ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ مَنْ شَاءَ مِنْهُنَّ، وَذَلِكَ لِغَلَبَةِ الْحِلِّ وَالْحَاجَةِ جَمِيعًا، إِذْ كُلُّ مَنْ ضَاعَ لَهُ رَضِيعٌ أَوْ قَرِيبٌ أَوْ مُحَرَّمٌ بِمُصَاهَرَةٍ أَوْ سَبَبٍ مِنَ الْأَسْبَابِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُسَدَّ عَلَيْهِ بَابُ نِكَاحٍ، وَكَذَلِكَ مَنْ عَلِمَ أَنَّ مَالَ الدُّنْيَا خَالَطَهُ حَرَامٌ قَطْعًا لَا يَلْزَمُهُ تَرْكُ الشِّرَاءِ وَالْأَكْلِ فَإِنَّ ذَلِكَ حَرَجٍ وَمَا (فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الْحَجِّ: ٧٨]، وَيُعْلَمُ هَذَا بِأَنَّهُ لَمَّا سُرِقَ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِجَنٌّ وَغَلَّ وَاحِدٌ فِي الْغَنِيمَةِ عَبَاءَةً لَمْ يَمْتَنِعْ أَحَدٌ مِنْ شِرَاءِ الْمَجَانِّ وَالْعَبَاءِ فِي الدُّنْيَا، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا سُرِقَ، وَكَذَلِكَ كَانَ يُعْرَفُ أَنَّ فِي النَّاسِ مَنْ يُرَابِي فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ، وَمَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَلَا النَّاسُ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ بِالْكُلِّيَّةِ. وَأَمَّا إِذَا اخْتَلَطَ حَرَامٌ لَا يُحْصَرُ بِحَلَالٍ لَا يُحْصَرُ كَحُكْمِ الْأَمْوَالِ فِي زَمَانِنَا هَذَا فَإِنَّهُ لَا يَحْرُمُ بِهَذَا الِاخْتِلَاطِ أَنْ يُتَنَاوَلَ شَيْءٌ بِعَيْنِهِ احْتَمَلَ أَنَّهُ حَرَامٌ وَأَنَّهُ حَلَالٌ إِلَّا أَنْ يَقْتَرِنَ بِتِلْكَ الْعَيْنِ عَلَامَةٌ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مِنَ الْحَرَامِ. وَقَوْلُ الْقَائِلِ أَكْثَرُ الْأَمْوَالِ حَرَامٌ فِي زَمَانِنَا غَلَطٌ مَنْشَؤُهُ اسْتِكْثَارُ النُّفُوسِ الْفَسَادَ وَاسْتِعْظَامُهَا لَهُ وَإِنْ كَانَ نَادِرًا، حَتَّى رُبَّمَا يَظُنُّ أَنَّ الزِّنَا وَشُرْبَ الْخَمْرِ قَدْ شَاعَ كَمَا شَاعَ الْحَرَامُ فَيَتَخَيَّلُ أَنَّهُمُ الْأَكْثَرُونَ وَهُوَ خَطَأٌ فَإِنَّهُمُ الْأَقَلُّونَ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ كَثْرَةً. وَبِالْجُمْلَةِ فَالْأَصْلُ الْحِلُّ وَلَا يُرْفَعُ إِلَّا بِعَلَامَةٍ مُعَيَّنَةٍ.

1 / 123