192

Mawarid al-Dhaman li-Durus al-Zaman

موارد الظمآن لدروس الزمان

Número de edición

الثلاثون

Año de publicación

١٤٢٤ هـ

Géneros

وَذَكَرَ الإِمْامُ أَحْمدُ عنْ وَهْبٍ قَالَ: مكْتُوبٌ في حِكْمَةِ دَاوُود. حَقَّ عَلَى العَاقِل أَنْ لا يَغْفلَ عَنْ أَرْبَعِ سَاعَاتٍ: سَاعَةٍ يُنَاجِي فِيهَا رَبَّهُ، وَسَاعَةٍ يُحَاسِبُ فِيهَا نَفْسَهُ، وَسَاعَةٍ يَخْلُو فِيهَا مَعْ إِخْوَانِهِ الذينَ يُخْبِرُونَهُ بِعُيوبِهِ وَيَصَدُّونَه عَنْ نَفْسُهُ، وَسَاعةٍ يُخَليَّ فيهَا بَيْنَ نَفسه وَبَيْنَ لذّتِهَا فِيمَا يَحُلّ وَيَجْمُلُ، فَإِنَّ في هَذِهِ السَّاعةِ عَوْنًا عَلَى تِلكَ السَّاعَاتِ وَإجْمَامًا للقُلوبِ.
وقَالَ الْحَسَنُ: الْمؤمِنُ قوَّامٌ عَلى نَفْسه للهِ وإنّما يَخُفَّ الْحِسَابُ يَوْمَ القِيامَةِ عَلَى قَوْمٍ حَاسَبُوا أَنْفُسَهُمْ في الدُّنْيَا، وَإِنَمَّا شَقَّ الحِسَابُ يَوْمَ القِيَامِةِ عَلَى قَوْمٍ أَخَذُوا هَذَا الأَمْرَ مِنْ غَيرِ مُحاسبةٍ.
إِنَّ الْمُؤمنَ يَفْجَؤهُ الشَّيْءَ يُعْجبُه فيقولُ: واللهِ إنّي لأَشْتَهِيكَ وإنَّكَ لمَنْ حَاجتِي وَلَكنْ واللهِ مَا مِنْ صِلَةٍ إِليْكَ هَيْهَاتَ حِيلَ بَيْنِي وَبِينِكَ وَيَفْرطُ مِنْهُ الشَّيءُ فَيرِجعُ إلى نَفْسِه فَيقُولُ: مَا أَردْتَ إِلى هَذا، مَا لِي وَلِهَذَا، وَاللهِ لا أعودُ إلى هَذَا أَبَدًا إِنَّ الْمُؤمِنينَ قَوْمٌ وَفَقَهُم القُرآنُ وَحَالَ بَيْنَهُم وَبَيْنَ هَلَكتهِمْ إنّ المؤمنَ أسيرٌ في الدُّنْيَا يَسْعَى في فَكَاك رَقَبته لا يَأْمِنُ شَيْئًا حَتَّى يَلْقَى اللهَ لِيَعْلَم أَنَّه مَأْخُوذٌ عَلَيْهِ فِي سَمْعِهِ وَفي بَصَرِهِ وفي لِسَانِهِ وفي جَوارِحِهِ.
اللَّهُمَّ أَيْقِظْ قُلُوبَنَا وَنَوِّرْهَا بِنُورِ الإِيمَانِ وَثَبَّتْ مَحَبَّتَكَ فِي قُلُوبِنَا وَقَوِّهَا وَارْزُقْنَا الْمَعْرِفَةِ بِكَ عَنْ بَصِيرَةٍ وَأَلْهِمْنَا ذِكْرَكَ وَشُكْرَكَ وَوَفَّقْنَا لِطَاعَتِكَ وَامْتِثَالِ أَمْرِكَ وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوالِدَيْنَا وَلِجَمِيعِ المُسْلِمِينَ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالمَيِّتِينَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، وصَلَّى اللهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
(فَصْلٌ): قَالَ ابنُ القيّمِ: ﵀ عَلى قَوْلِ صَاحِبِ الْمَنَازِل: المحَاسَبةُ لَهَا ثَلاثَةُ أرْكَانٍ، أحدُهَا: أَنْ تُقايِسَ بَيْنَ نِعمتهِ وَجِنَايَتكَ يَعْنِي تُقَايسَ بَيْنَ مَا مِن اللهِ وَمَا مِنْكَ فَحِينَئذٍ يَظْهرُ لَكَ التَّفاؤتُ وَتَعَلمُ أَنَّهُ لَيْسَ إلا عَفوهُ وَرَحْمَتُه أَوْ الْهَلاكُ والعَطَبُ وَبِهَذِهِ الْمقَايسةِ تَعْلمُ أنَّ الربَّ رَبُّ وَالْعَبْدَ عَبْدٌ

1 / 191