84

فكيف بالأمر الذي تبغينه

يحمي الكريم عرضه ودينه

ثم خرج به عبد المطلب حتى أتى به وهب بن عبد مناف بن زهرة وهو يومئذ سيد زهرة نسبا وشرفا، فزوجه ابنته آمنة وهي يومئذ أفضل امرأة من قريش نسبا وموضعا، فحملت برسول الله

صلى الله عليه وسلم ، ثم خرج من عندها فمر بالمرأة التي عرضت عليه ما عرضت، فقال لها: ما لك لا تعرضين علي اليوم ما عرضت بالأمس؟ فقالت: فارقك النور الذي كان معك، فليس لي بذلك اليوم حاجة؛ إنما أردت أن يكون النور في، فأبى الله إلا أن يجعله حيث شاء.»

وفي أسانيد ابن هشام: أن عبد الله «إنما دخل على امرأة كانت له مع آمنة بنت وهب، وقد عمل في طين له، وبه آثار من الطين، فدعاها فأبطأت عليه لما رأت به من أثر الطين، فخرج من عندها فتوضأ وغسل ما كان به، ثم خرج عائدا إلى آمنة، فمر بامرأته الأولى فدعته فلم يجبها، وعمد إلى آمنة فحملت بمحمد

صلى الله عليه وسلم ، ثم مر بامرأته تلك فقالت له: مررت بي وبين عينيك غرة بيضاء فدعوتك فأبيت».

قال إسحاق بن يسار صاحب الخبر: «فزعموا أن امرأته تلك كانت تحدث أنه مر بها وبين عينيه غرة مثل غرة الفرس، قالت: فدعوته رجاء أن تكون لي، فأبى علي، ودخل على آمنة فحملت برسول الله ...»

وجاء في غير خبر أن فتيات مكة ذهبت بهن الحسرة لزواج عبد الله من آمنة، وكانت كل فتاة منهن تتمناه زوجا لها؛ لجماله وتحدث الناس بفدائه.

وفي كل هذه الأخبار قسط من الصحة لا نهمله، ولا نسوي بين رواية السير له وبين خلوها منه، فإن مجيئه في السير يثبت لنا معنى صادق الدلالة وإن يكن غير معناه المقصود، يثبت لنا لونا من شعور الناس بصاحب السيرة، ولونا من تعبيرهم عن ذلك الشعور، ومن كان هذا المعنى لغوا عنده فخير له أن يتجنب السير والتواريخ.

وأما حكم الواقع على حدوث الخبر، فحسبنا فيه حكم القرآن الكريم الذي يبطل علم الكهان بالغيب، كما ينكره على أعوانهم من الجان، وفي سورة سبأ عن سليمان بن داود - عليهما السلام:

Página desconocida