أخبرني المقري العالم محمد بن أبي بكر الجبني الشافعي أن سيده الهادي بن إبراهيم أخبره بتعز حين بلغهم وفاة سيدي إبراهيم، قال: واجتمع الناس بالجامع بتعز للقراءة عليه ثلاثة أيام بأمر الشيخ عامر بن عبد الوهاب، وكان مجمعا عظيما، وفخم الشيخ موت السيد تفخيما كثيرا ، قال: أخبره سيدي الهادي أن والده كان لا يفتر عن المطالعة لحظة ولا ساعة، ولقد كان مع كبر السن وضعف البصر لا يصبر عن المطالعة حتى يؤتى بالسراج وقت المغرب، بل يقرب إلى باب المنزل فيقتبس ما بقي من ضوء الحجرة. وأخبرني ثقة من الشيعة أنه سمع في حياة سيدي إبراهيم أنه لم يقبض درهما [في](1) مدة عمره، وبلغني من شحيح ورعه أنه كان في منزله دار يفد إليه الطلبة، وكان فيه بساطان من الصدقة، وكان يحتاج المرور فيه إلى كمة(2)، فكان لا يمر حتى يطوى البساطان عن موضع مروره لئلا يطأهما. ومما تفرد به من الفضائل، واختص به من المحامد الغيرة المحمودة على المذهب، والحمية والحماية لطرازه المذهب، وله على أعداء أهل البيت [من الردود](3) نظما ونثرا ما يشفي وحر الصدور شفاء درك الثأر المثيم(4)، وتغلي منه مراجل أفئدة النواصب كغلي الحميم، وله التعليقات النفيسة في فضائل أهل المذهب وتراجمهم وغرائب مسائلهم وأقوالهم وكراماتهم، نقل في (الفصول)(5) نصوص الأئمة، وجرد كتاب (الهداية)(6) لهذا الغرض الخاص، فجاء كتابا فردا في جمع نوادر المسائل ونظم أشتات أقوال الأئمة وشيعتهم، وفي حواشيه من التحف والفوائد والفرائد مالا يوجد في غيره أصلا ولا يعلم مظانه من الكتب غيره، بل لا يعرف وجودها غيره، ولهذا قال الإمام المتوكل على الله شرف الدين - عليه السلام -: لا ينبغي لشيعي أن يخلو عنه، وأمر بتحصيله لنفسه [الكريمة](1)، وما أحسن قوله يشير إلى تفرده بما أشرت إليه:
وإني وحبي للنبي وآله ... وما اشتملت مني عليه ضلوع
وإن أفلت منهم شموس طوالع ... يكون لها بعد الأفول طلوع
كما قال قيس بن الذريح ونظمه ... ألذ من الماء القراح بديع
إذا أمرتني العاذلات بهجرها ... أبت كبد من قولهن صديع
/44/
وكيف أطيع العاذلات وهجرها ... يؤرقني والعاذلات هجوع
أبى الله لي غير التشيع مذهبا ... ومن قال سني فلست أطيع
بنو المصطفى لي أسرة وجماعة ... ومذهبهم لي روضة وربيع
أصم إذا حدثت عن قول غيرهم ... وإن حدثوني عنهم فسميع
Página 84