العليب من بلاد جهران، وليس من الفقهاء(1) بني حثيث أهل القبة(2) الذين ينتسبون إلى الفقيه محمد بن حثيث، فإن محمد بن حثيث أصله من قايفة(3)، وكان فاضلا أيضا، كان إمام الفقه محققا مناظرا قليل النظير في الإصابة والحفظ وجودة النظر، وعليه يعول الفقهاء، ورجع شيوخه إليه في أوائل أمره وغصن علومه رطيب، واتفق في أوائل منشئه تردد مع فقهاء مدينة ذمار وهم أهل الورع والتحفظ إلى حد تقصر عنه العبارة، سمعت شيخنا العلامة إبراهيم بن يحيى السحولي عند ذكر أحوالهم في بعض الأيام يقول: لو اتفق أولئك العلماء في(4) مسألة ما استجزت خلافهم، لما يراه من الحفظ للعلم والتحفظ في العمل، فدار بينهم إشكال أوجب أنهم يتجنبون الوضوء بماء المدرسة الشمسية بذمار، وذلك أنه تولى نزع الماء من البئر ولد دون التكليف، فقالوا: هذا(5) على أصل الإباحة، والمباح يملكه الناقل له أو المحيي على قواعد المذهب فهو إذا ملك للصبي فبأي وجه خرج من ملكه وإباحته، كلا إباحة فتنبه القاضي إبراهيم للمسألة وقال: إن ذلك فيما كان مباحا لم يسبق فيه حق، أما ما قد سبق فيه حق فلا يملكه الفاعل، فطالبوه بالمأخذ فأبرزه من كتب المذهب الشريف فتوضؤوا، واطمأنت نفوسهم. وتعمر القاضي صارم الدين مدة وتأخرت به الأيام /31/ حتى وفد على الإمام الأجل المؤيد بالله ابن الإمام المنصور بالله - عليهما السلام - وأجله الإمام وعظم قدره، وكان في الحضرة علماء منهم القاضي العلامة سعيد بن صلاح الهبل - رحمه الله - وكان إمام الفقه، فأثنى على القاضي صارم الدين، وشوق ألباب الطلبة للقائه، وحثهم على سماع (معيار النجري) عليه؛ لأنه خريته(1) الماهر فعول(2) عليه إمامنا المتوكل على الله حفظه الله، فاشترط للسماع حضور نسخة صحيحة معينة، وقرؤوا عليه، وحضر الأعيان، ولم يبعد القاضي سعيد عنهم وقت السماع، ولكنه استنكر تبلد طبع القاضي وأنه لم يبق على عهده، وكان القاضي صارم الدين لا يبالي بالجهال ومن لا يتحرز في دينه، وكان يأخذ دراهم على الفتيا، فذاكره تلميذه القاضي العلامة محمد بن صلاح الشامي(3)، فقال: هؤلاء بأيديهم حقوق لله تعالى وولاتهم يومئذ الأتراك، وأظهر للقاضي محمد بن صلاح شواهد أن تلك الدراهم كانت [تصل](4) إلى الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد - أعاد الله من بركته - ولم أتيقن اسم والده فكتبته في هذا المحل والله الهادي، ووفاته يوم الأربعاء السابع والعشرين من صفر سنة إحدى وأربعين وألف.
إبراهيم بن خيران [ - ](5)
الشيخ العلامة ترجمان علوم الأئمة صارم الدين إبراهيم بن خيران، من أجلاء العلماء والأعلام الأجلاء، وهو الذي ينسب إليه بعض العلماء (الكامل المنير)، وبعضهم ينسبه إلى نجم آل الرسول القاسم بن إبراهيم، وناهيك بهذا الشيخ الذي التبس ما صنفه بما صنفه هذا الإمام الجليل - رحمهم الله جميعا - ومن اطلع على هذا الكتاب علم محل الفقيه المذكور من العلم.
Página 62