كان سكنه - عليه السلام - بواد في شامي ينبع(1) يسمى العيص(2)، وذكر المنصور بالله الإمام القاسم بن علي - عليه السلام - فيما رواه الحسين بن أحمد بن يعقوب حكاية له غريبة، قال الحسين بن أحمد: وسألناه - يعني القاسم بن علي - عن رواية رويت عن جده القاسم بن إبراهيم - عليهما السلام - أنه صحبه إنسان شيعي له، فلما خلوا اغتر الإمام، فأنشط في حلقه وترا معه فقطع(3) الإمام القاسم بن إبراهيم الوتر بمبرأة كانت معه، وقتله، فسألناه ما صحة ذلك؟ فقال: ما نعرف هذه الرواية ولا روى لنا أحد من سلفنا أنه قتل في عصره أحدا، ثم ذكر أباه إبراهيم بن إسماعيل فقال: كان أبوه إبراهيم بن إسماعيل بواد في شامي ينبع يسمى العيص يعمر(4) بعض ضياعه، وكانت قد ظهرت دعوته، وشهر استحقاقه للمقام، فكان الخليفة يخافه لذلك، فلم يزل يعمل فيه حتى أرسل من أحاط به في ضيعته وهو في غفلة من أمره، فقبض - عليه السلام - ومضوا به حتى أوصلوه الخليفة، فلما وصل(5) جعلوه في السجن والخليفة يومئذ ببغداد في سجن العامة فطولوا سجنه، وأثخنوه بالحديد، وكان أخذه وولده القاسم حمل في بطن أمه، فأقام في السجن سبع عشرة سنة، ثم عمل فيه رجل من شيعته من أهل المدينة مع بعض الحباسين، فلما أسعفه، واستخرجه في ساعة غفلة من الناس، وكان شيعيه هذا حطابا والحطب هنالك يجمع، ويحتكر حتى ربما اجتمع عند صاحبه مثل التل، فعمل في وسط ذلك الحطب بيتا من الحطب، وفيه مصالحه ثم أدخله إياه، فلما فقد من الحبس طلب، وحفظت أقطار الدنيا عليه، وقلبت المدينة كلها خزائنها(1) ودهاليزها(2) ومنازلها فلم يجدوه مع ستر الله وعونه لوليه، فأقام في ذلك الحطب سنة، فلما دار عليه الحول اكترى له صاحبه في الموسم محملا، وجعل كراءه لامرأة، فكان في ذلك المحمل يحجب، ويصان كما تصان الامرأة حتى وصل مكة، ودخل في الناس، وتنكر، وخرج يلتمس أهله وأولاده، وكان ولده القاسم لما ولد بعده شب، ونشأ أديبا لبيبا عالما جوادا، فانتقل بأهله إلى جبال الأشعر(3) وتحرز فيها من الظالمين، فلم يزل أبوه يسير حتى وصل منازل أهله، فأتى فناء ولده، ووجده قاعدا في حلقة في جماعة وهو فيهم منظور إليه، مردود مجلس الجماعة عليه، فتوسمه فقال: إن كان عاش ولدي فهو هذا. فسلم على الجماعة فردوا أحسن التحية عليه وقال: من أنت يا غلام؟ فقال: أنا القاسم بن إبراهيم، قال: فأين أبوك؟ قال: في رحمة الله، قال: فأنا هو، قال: غلطت [قال] (4) ليس كما قلت إن له منذ قبض وقتل ما يداني العشرين سنة، قال: فأنا هو قد حبست، وطال ذلك، وسلم الله، ثم أخلاه من الجماعة، ثم سأله أعاد عمتك فلانة وأمك فلانة وأختك، وسأله عن أهله، فقال [له](1): دع عنك هذا، فإنه ربما يأتي بعض مردة بني آدم بمثل هذا، ولم يقربه إلى معرفة فقال: امض إلى أهلك فأعلمهم بما ذكرت لك، فمضى إلى أهله فأخبرهم بخبر أبيه ونكرته له، فقالت له أمه: على أبيك علم لا ينكر(2)، قالت: في صدره ضربتان بسيف معترضتان على ثدييه(3) أثرهما لا يغبا، فإن كان ذلك فهو أبوك. فعاود إليه فقال له: في صدرك ضربتان أثرهما باد ؟ فقال: نعم، فأراه ذلك، فلما أراه حق معرفته، وتبادرت عيناه لذلك، واعتنقه، وقدمه إلى فلم ينكروه حينما رأوه، فهذا ما يجري على الصالحين في جنب(4) الله من أعدائه.
إبراهيم بن إسماعيل بن علي بن إبراهيم [ - ]
الإمام الكبير شيخ الأئمة والعلماء، صدر زمانه إبراهيم بن إسماعيل بن علي بن إبراهيم بن الحسن بن عبد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب - عليهم السلام - إمام كبير وأستاذ خطير، أخذ عنه جلة من العلماء وهو شيخ شيخ أبي العباس الحسني، وذلك أن أبا العباس تلميذ أحمد بن سهيل(5) الرازي، وأحمد بن سهيل(6) أخذ عن إبراهيم هذا.
Página 55