فان قلت: حاصل ما قدرته وأبديته وأوضحته إذا وقع الاجتهاد في غير محله، وأجرى النظر، والإجراء على المصالح في غير مجراه، وفي ضمن هذا انك سلمت بلوغه رتبة الاجتهاد، وهذا أمر يئس الناس منه منذ زمان، وقد قال العلماء، وهو نص القاضي أبي الفضل عياض رحمه الله: أن الواصل إلى هذا الطريق، وهو طريق الاجتهاد والحكم به في الشرع قليل، وأقل من القليل بعد الصدر الأول والسلف الصالح والقرون المحمودة الثلاثة. وقد قال الامام المازري: انه انقطع الاجتهاد منذ مئين من السنين، وشهد بانقطاعه العيان(¬1)، وقد سمعت شيخنا أبا عبد الله محمد بن عرفة(¬2)الامام يحكي عن أشياخه الاعلام أنه قد انقطع المجتهدون منذ توفي عز الدين بن عبد السلام. أو رأيته، وان فاته الاجتهاد المطلق، فقد وصل إلى رتبة الاجتهاد في المذهب لما نقح منه وحقق. وهذا علم الله رتبة سامية، ودرجة منيفة عالية، لم يصل إليها إلا أهل التحقيق، وناهيك برتبة تلحق بمثل ابن القاسم وأشهب وأبي يوسف ومحمد بن الحسن وابن سريج والامام ابي حامد، فهلا حسمت الباب من هاهنا، فإنه ممن لا يظن به أنه يدعي أنه في رتبة هؤلاء.
قلت: هذا مما تركناه اختصارا، ولئلا يظن من لايميز رتب العلماء انا قصرنا في ذلك تنقيصا واستقصارا. وما أوردنا من فقد شرط الاجتهاد في المجتهد فيه من أي صنف كان، مجتهدا أو مقلدا.
Página 124