فيه، فمن تخيل منكم أنه رآه فما عرف، ومن عرف منكم أنه رأى نفسه، فهو العارف، فلهذا انقسم الناس إلى غير عالم، وعالم "وولده١" وهو ما أنتجه لهم نظرهم الفكري، والأمر موقوف علمه على المشاهدة، بعيد عن نتائج الفكر "إلا خسارا" "فما ربحت تجارتهم" فزال عنهم ما كان في أيديهم مما كانوا يتخيلون أنه ملك لهم، وهو في المحمديين ﴿وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾ [الحديد: ٧] وفي نوح ﴿أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا٢﴾ [نوح: ٢] فأثبت الملك لهم، والوكالة لله فيهم، فهم مستخلفون فيه، فالملك لله، وهو وكيلهم، فالملك لهم، وذلك ملك الاستخلاف، وبهذا كان الحق تعالى مالك الملك، كما قال الترمذي ﵀.
الدعوة إلى الله مكر عند الصوفية
﴿وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا﴾ لأن الدعوة إلى الله تعالى مكر بالمدعو٣؛ لأنه
_________
١ فسر المدرار بالمعارف العقلية، والمال بما يميل بالإنسان إلى الله فيرى في الله سبحانه صورته، وفسر الولد بالنتاج الفكري، وهكذا يضع للغة القرآن ما شاءت زندقته من معان، وبمثل ما يفتري ابن عربي يعجب بعض ما يوصفون بأنهم من ذوي الفكر. ولو اتخذنا أسلوب ابن عربي قاعدة لنا في البيان ما بقيت للغة، بل ما بقيت حقيقة واحدة يمكن أن تجتمع عليها العقول.
٢ الآية في بني إسرائيل، لا في قوم نوح.
٣ يشرح القاشاني هذا بقوله "معناه: أن الدعوة إلى الله دعوة منه إليه، لأن الله عين الداعي والمدعو، والبداية والغاية، لكونه عين كل شيء" ص٥٨ ط ١٣٠٩ شرح القاشاني للفصوص. وأقول: يدين ابن عربي وعبد الطاغوت الصوفية أن الله سبحانه عين كل شيء، فإذا ما جاء الرسل، وأمروا بعبادة الله وحده، ونهوا عن عبادة غيره، عن عبادة العجل مثلا، والأصنام والكواكب وغيرها. فإن الصوفية يرون هذه الدعوة في مظهريها الإيجابي والسلبي مكرا وخداعا، إذ توحي إلى عبادة الأصنام والأوثان وغيرها أنهم يعبدون غير الله، والرسل يعلمون -هكذا يفتري الصوفية- أنه ما ثم غير، أو سوى، فكل ما عبد، أو سيعبد إنما هو الله. إذ كل معبود شيء، والله سبحانه عند الصوفية عين كل شيء.
1 / 49