الفرقان، والفرقان لا يتضمن القرآن، ولهذا ما اختص بالقرآن إلا محمد ﷺ، وهذه الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس، فـ ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ يجمع الأمرين في أمر واحد، فلو أن نوحا أتى بمثل هذه الآية لفظا أجابوه، فإنه شبه ونزه في آية واحدة بل [في] نصف آية. ونوح دعا قومه "ليلا" من حيث عقولهم، وروحانيتهم، فإنها غيب، و"نهارا" دعاهم أيضا من حيث ظاهر صورهم وحسهم١، وما جمع في الدعوة مثل: ليس كمثله شيء، فنفرت بواطنهم لهذا الفرقان [فزادهم] فرارا، ثم قال عن نفسه: إنه دعاهم ليغفر لهم، لا ليكشف لهم٢، وفهموا ذلك منه ﷺ، لذلك: ﴿جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي
_________
= يفتري الزنديق- بجهله بين وجهي الحقيقة الواحدة، أوجعل -بمكره- الحقيقة الواحدة شيئا آخر غير نفسها، وفرق بين باطن الذات الإلهية -وهو الحق- وبين ظاهرها وهو الخلق، ولذا لم يستجب قومه لدعوته، إذ كانوا على بينة من الأمر، على علم صادق بالحقيقة، كانوا على يقين -ويقينهم هو الحق عند الصوفية- من أن الله سبحانه حق وخلق، مطلق ومقيد، رب وعبد. وأنه عين كل شيء، فعبدوه في بعض ما تعين فيه، وهي الأصنام. فدلوا بهذه العبادة على صدق الإيمان، وكمال التوحيد، لهذا يقول الزنديق: ما كان ينبغي لنوح، أن يمكر بقومه في دعوته، أو أن يضلهم عن السبيل السوي، فيدعوهم إلى الإيمان بأن الرب غير العبد وأن الحق غير الخلق، وأن المعبود غير العابد. وإنما كان واجبا على نوح أن يؤيد الحق الذي آمن به قومه، والهدى الذي كشف لهم عن كنه الحقيقة، وهي أن هذه الأصنام ما هي إلا ذات الله سبحانه، وأن عبادتهم لها عبادة حقة لله سبحانه!! فتأمل!! كيف يبهت رسولا من أولي العزم بالمكر أو بالجهل، وكيف يفضل عليه أوباش الوثنية، وعبد الشيطان!! ورغم هذا يظل الشيوخ يدينون لابن عربي بالعبودية.
١ في الأصل: جثتهم.
٢ يريد الزنديق أن نوحا دعا قومه إلى مقام الستر المطلق، لا إلى مقام الكشف والظهور، والستر المطلق هو الحق المنزه عن التجلي في أية صورة خلقية.
1 / 47