فإلى جانب ميل المؤلف إلى التاريخ نرى أنه تأثر في المسلك السهل خاصة بأحمد المقري في كتابه نفح الطيب وأزهار الرياض، وذلك في اهتمام هذا الأخير بالظروف المحيطة بحياة ابن الخطيب في النفح، وبحياة القاضي عياض في الأزهار، وذلك ما أعطى كتابيه طابعا موسوعيا في تاريخ الأدب الأندلسي والمغربي. ويزكي ما ذهبنا إليه اعتماد المؤلف عليهما، ولا سيما نفح الطيب، في معظم المادة التاريخية والأدبية في مقدمة المسلك السهل. وكان من نتيجة إعجاب الإفراني بالمقري أن خصه بترجمة عنوانها: الوشي العبقري في ضبط لفظ المقري، كما اطلع الإفراني على مقدمة ابن خلدون ونقل منها في المقدمة والشرح ناعتا صاحبها ب "الشيخ الرئيس أعجوبة المؤرخين"(¬1)[58]. وقد بينا أثناء الحديث عن الطابع الثقافي للعصر في كتابنا الإفراني وقضايا الثقافة أن الميل إلى الأدب والتاريخ يميز الأدباء الشبان في عصر المؤلف عن شيوخهم الذين يميلون أكثر إلى اللغة والتصوف والأمثال والحكم.
* * *
وفي تحديد الإطار الأدبي والفني للموشح لاحظ الإفراني باستغراب الإهمال الذي لحق الموشحات فقال: "والعجب أنه مع كونه من شدة الحاجة إليه بهذه المرتبة لم يتنزلوا لضبط قواعده كل التنزيل، ولم يسهلوا من أمره ما هو في غاية الحاجة إلى التسهيل، ويبسطوا من مسائله ما يصعب"(¬2)[59].
فهناك إذن الحاجة إلى الموشحات، وهناك الدعوة إلى ضبط مسائلها، وتسهيل ما صعب منها.
[ص29]
غير أنه لم يكن بوسع الإفراني أن يقوم بهذا العبء وحده، فله فضل تصور المشكل والإحساس بالحاجة إلى معالجته، أما ما قدمه في أول السمط الثاني من تعريف التوشيح لغة وعرفا، مع ذكر عدد محدود من أسماء أجزاء الموشح كما نقلها ابن خلدون عن ابن سعيد، فليس كافيا للتعرف على تركيب الموشح وتقنيات بنائه.
Página 31