وكان الإفراني واعيا بالهدف من مقدمته، فهي، حسب عبارته، علم منشور على طلائع رايات الموشح، يهدي إليه وينبئ عنه، يقول: "وعن لي أن أقدم قبل الخوض في لجج معاني التوشيح مقدمة تكون كالرعيل لجيش أبياته، وعلما منشورا على طلائع راياته، أضمنها التعريف بناحت درره المزخرفة.. وذكر نبذ في صناعة التوشيح، واختراعها ومخترعها، وما يكون كالذيل لذلك"(¬1)[53].
[ص26]
وهو لا يعتبر هذه المقدمة غاية، فيقول في آخرها: "ولنمسك الزمام، فإن المطلوب بالذات أمام"(¬2)[54]؛ أي فيما يأتي من الشرح، ولكنها داخلة عنده، في الأدب، وليست مقحمة عليه. ولذلك يبرر الإطالة فيها بحاجة كتب الأدب إلى ما توشح به من نوادر، فيقول:" والعذر في الإطالة أنا رأينا كتب الأدب إذا لم توشح بنوادر وأخبار لم تقع في العقول موقع القبول"(¬3)[55].
ثم نرى الإفراني يتتبع تطور الموشحات بدون كلل حتى يبلغها قمة نموها، وتسلم رايتها لابن سهل، فتكون موشحته لذلك ثمرة ناضجة لجهود سابقيه، وهذه عبارته التي أنهى بها الحديث عن تاريخ الموشحات وأخبار أصحابها: "وانتهت الرئاسة في التوشيح لابن سهل، وبذهاب عينه اندثرت آثارها، وغربت شموسها، وتقلصت أفياؤها. ولا شك أن شأوه في ذلك لا يلحق، كما لا يخفى على من اتصف بالإنصاف وتقلد بالحق. وكفى شاهدا على ذلك موشحته هذه، فإنها حالقة اللحى، لمن انتحل معارضتها وانتحى. وقد تصدى لمعارضتها أقوام، فكانوا كمن تطلب رجوع ما مضى من الأعوام"(¬4)[56]. وهذا مما يكسب اختياره قيمة كبيرة.
Página 28